عانقته بشدة، وبدأت بالبكاء وكأنها تعاتبه على غيابه، أما هو فاحتضنها واختلطت دموعه بدموعها، بقيت طيلة فترة الزيارة متشبثةً به تخشى أن يتركها مرة أخرى، ولكن ما أن مرت 25 دقيقة هي مدة الزيارة، حتى انتزعها الجندي من أحضان والدها، لم يستطع عقلها الصغير أن يستوعب الأمر فأجهشت بالبكاء وأبكت من حولها.
هذا هو ما حدث مع الطفلة آيات ابنة العام الواحد الذي يقبع والدها المعتقل السياسي إسلام الشعيبي بسجن الجنيد بنابلس منذ 32 يومًا.
مشهد ترويه زوجة الشعيبي، التي لم يكن حالها بأفضل من حال طفلتها، فبأي حق تنتزع طفلة من أحضان والدها، وبأي تهمة يغيب الأب عن منزله تتساءل أم البراء!!.
فالشعيبي (26 عاما) من محافظة سلفيت، ما زال على مقاعد الدراسة في جامعة النجاح، وهذه هي سنته الثامنة في الجامعة، وهو للآن لم يتخرج بسبب الاعتقالات المستمرة من أجهزة السلطة وقوات الاحتلال.
سياسة الباب الدوار
وكان اعتقاله الأول على يد أجهزة أمن السلطة عام 2008، وهو في سنته الدراسية الجامعية الثانية، ودامت لمدة 21 يوما، وعندما لم تستطع الأجهزة خلالها إدانته بأية تهمة، قال له المحقق في جهاز المخابرات وقتها سنحول ملفك لقوات الاحتلال لأنك ترفض الاعتراف، وبعد الإفراج عنه بأسبوع اعتقلته قوات الاحتلال وحكمت عليه بالسجن لمدة 18 شهرا.
لم تنته القصة بعد؛ تقول زوجته أم البراء "فبدأ مسلسل جديد من الاستدعاءات والمقابلات لدى أجهزة أمن السلطة، التي لا أستطيع أن أحصي عددها لكثرتها، مكث زوجي ستة أشهر وبعدها تم اعتقاله مرة أخرى من قوات الاحتلال، وقضى تسعة أشهر بالاعتقال الإداري وتم الإفراج عنه بتاريخ 2/7/2012، وعاد بعدها للمقابلات التي توزعت بين وقائي ومخابرات سلفيت وبين وقائي ومخابرات نابلس".
اختطاف حقيقي
وتصف أم البراء الاعتقال الحالي لزوجها قائلة: هو اختطاف بكل معنى الكلمة، ففي تاريخ 13/6/2015 جاء إسلام لمرافقتي من بيت عائلتي في طولكرم، وفي طريق العودة اتصل به شخص وقال له إنه يريد إصلاح جهاز الهاتف الخاص به، فزوجي إسلام يملك محلا للهواتف النقالة، وقال له هذا الشخص الذي تبين لاحقا أنه عنصر في جهاز المخابرات إنه ينتظره عند باب المحل، وما إن وصلنا للبيت حتى غادر إسلام المنزل متوجها للمحل، حتى وصل ووجد سيارة المخابرات بانتظاره، وتم اعتقاله.
وتتحدث أم البراء عن رحلة زوجها في زنازين أجهزة السلطة فتقول: توجه والد زوجي بعد يومين من الاعتقال إلى مقر مخابرات سلفيت، ليسأل عن إسلام على اعتبار أنهم من قاموا باعتقاله، فأنكر ضباط المخابرات علمهم بمكانه وأنه ليس موجودا عندهم، وبعد 8 أيام تقريبا علمنا أنه تم نقله إلى أريحا، ومكث هناك عدة أيام ليتم نقله بعدها إلى سجن الجنيد بنابلس، وقد علمنا بذلك من اتصال مؤسسة حقوقية بنا.
وتتابع "عرض زوجي بعدها على محكمة صورية، وتم تمديده 15 يوما على ذمة التحقيق، وما إن انتهت المدة حتى تم تمديده مرة أخرى لمدة 15 يومًا، دون وجود إثباتات لأية تهم أو اعتراف من زوجي بالتهم الموجهة له".
سارقو الفرح
وبعد 25 يومًا من الانتظار تم السماح لعائلة الشعيبي بالزيارة؛ تقول أم البراء: جلست على المقعد في سجن الجنيد انتظر قدوم زوجي، وما هي لا دقائق حتى حضر إسلام، تفاجأت عند رؤيته وضاع مني الكلام فقد كانت رجله مكسورة وكان يمشي بصعوبة ويشعر بالألم، وما إن جلس إسلام على المقعد حتى بادر عنصر من المخابرات كان يجلس معنا طيلة فترة الزيارة وقال إنه انزلق بالحمام وكسرت قدمه، بدت علامات الارتباك على وجه زوجي وبدأ يلاعب طفلتنا آيات، علمت حينها أن هناك أمرًا ما حدث لزوجي ولا يريد الحديث به أمام الجندي الجالس معنا.
وتساءلت أم البراء بعدما تنهدت تنهيدة طويلة: لمصلحة من يُغيب الأب عن أبنائه وعائلته، ألا يوجد لديهم أطفال أم ماتت الأحاسيس والمشاعر لديهم، لماذا نُحرم من الاجتماع على مائدة الإفطار، ولماذا يسرقون منا الفرح، لكننا ما زلنا على أمل بالله أن يجمع شملنا ويقر أعيننا بمن نحب.