بالرغم من تنوّع التخصّصات وتعدّد الكليَّات وتطورها عاماً بعد عامٍ في مختلف الجامعات؛ تبقى كلية التربية هي الكلية الأكيدة التي يزداد التوجُّه إليها بمجرَّد التخرج من الثانوية العامة، تلك الكلية التي تضمن للخريج أن يمتهن التدريس في حال أُتيحت له الفرصة.. فما السِّرُّ وراء تزايد التحاق الفتيات –بالذات- بتلك الكلية، وبسؤال أكثر دقة ما السِّرُّ في رغبة النساء في امتهان التدريس عن أي مهنةٍ أخرى؟ "فلسطين" تسأل وتحاول الإجابة في التقرير التالي: "إنها الفرصة الضائعة.. والحلم بعيد المنال..".. بدايةٌ مُبتسِمةٍ استهلَّت بها السيدة إيمان أبو وطفة حديثها، وتقصد بتلك الفرصة وذاك الحلم "مهنة التدريس"، لماذا يا تُرى؟ تجيب "فلسطين" ذاكرةً قصَّتها:"حين تخرَّجت في الثانوية العامَّة لم ألقِ تفكيراً ولا بالاً لذاك اليوم البعيد .. اليوم الأول بعد التخرُّج في الجامعة والذي تبدأ فيه الفتاة بالبحث – فوراً- عن وظيفة، فكلّ همِّي كان الدخول في قسمٍ مميَّزٍ، فدخلتُ التجارة، واستمتعتُ في دراستِها حقاً، حتى آن الأوان للموقف الحاسم وارتداء "روب" التَّخرُّج.. كان موقفاً يقشعر له البدن فرحاً، لكنه فرحٌ مؤقتٌ انتهى بخلع "الروب" ووضع الشهادة على رفّ مكتبي، فكل ما استطعتُ الحصول عليه من وراء تلك الشهادة بضعة أشهر عملٍ فُرِزت لي على بند بطالة الوكالة!". بينما أصعب موقفٍ تمرُّ فيه إيمانُ اليوم –حسب قولها-حين يتقدَّم خريجو التربية بطلباتهم لمدارس الحكومة والوكالة، فتقف حزينةً ونادمة أنها اختارت كلية "التجارة". إيمان عينةٌ من أولئك النادمات على عدم اختيار كلية التربية، فلنذهب للمعلمات وننظر لسبب اختيارهنّ كلية التربية وبالتالي امتهانهنّ التدريس. [title]دوام مُريح[/title] تقول المُعلِّمة "رباب" -34- عاماً، وأم لأربعة أطفال: "لو دار بي الزمن لاخترت قسم التربية وامتهنتُ التدريس، ليس لأنها مهنةٌ مريحة، بل على العكس يكفيها إرهاقاً لي أني أضطر للوقوف على قدميَّ ما يقارب الخمس حصصٍ متتاليات، كما أن انتهاء العمل لا ينتهي بانتهاء الدَّوام فهناك "التحضير للدرس" ووضع الاختبارات وتصحيحها ووضع الدرجات وتجهيز الشهادات التي يصعب تجهيزها إلا في البيت". إذاً ما السَّرُّ في تفضيل المعلمة "رباب" لتلك المهنة ما دامت تعاني من كل هذا؟ ترد :"باختصار ميزتها في قصر وقتِها، وهذا يجعلني لا أغيب عن البيت كثيراً، فإن خرجتُ الساعة السادسة والربع من البيت وعدت في الحادية عشرة والنصف فإني فعلياً لا أغيب عن أطفالي أكثر من ساعتين ونصف تقريباً خاصة وأنهم يستيقظون في حدود التاسعة صباحاً". ويكفي طلباً على مهنة التدريس أن المُعلِّمة المتقاعدة آمنة الغندور قامت بتدريس زوجتي ابنيها الاثنتين في الجامعة من جديد، وهما اللتان حصلتا على بكالوريوس هندسة وخدمة اجتماعية، على اعتبار أن التدريس هو المهنة الفُضلَى على الإطلاق للمرأة، سألتها "فلسطين": "لِمَ هي المهنة الفُضلى بنظرِك؟"، فتقول:" مهما مضت السنون ولم تجد فيها المرأة عملاً إلا أنه سيأتي يومٌ وتخوض تلك التجربة التعليمية إن كانت حاصلة على التربية، بينما أشكّ في أن تحصل على وظيفةٍ دون الحصول على التربية"، وتضيف:"ظروف الحياة اليوم بما فيها ارتفاع المستوى المعيشي تشعِر المرأة بحاجتها للعمل لمساندة زوجها، والحصول على مهنة التدريس أسهل من الحصول على أي مهنةٍ أخرى". وعن تجربتها في الحياة التعليمية تقول:"رسالة التعليم رسالةٌ سامية لو أتقنها الإنسان على أكمل وجه، وفيها ثوابٌ في الدنيا والآخرة لأنها مهنة تربيةٍ قبل التعليم". [title]"روتين" وملل[/title] أما السيدة أم ليان "29 عاماً فلها تجربةٌ قصيرة جداً في التعليم والتي حصلت عليها من خلال أحد بنود البطالة، فتقول:"كانت أسعد الأشهر في حياتي على صعيد العمل، أذهب مبكراً وأعود مبكراً، فأجد متسعاً كبيراً من الوقت أمامي.. أرتاح قليلاً ثم أقوم بأعمال بيتي كاملةً دون أن أشعر بضيقٍ في الوقت، وحين انتهت تلك الفترة وحصلت على عملٍ ثابت في مجال البحث الاجتماعي، والذي يبدأ من الثامنة صباحاً وينتهي الثالثة والنصف عصراً، بدأت أشعر بالفرق الشاسع والإجهاد الكبير، فأعود لا وقت أمامي إلا لإعداد الغداء وتنظيف البيت والدخول إلى وقت المساء والنوم.. فينتهي اليوم بلا أدنى متعة.. وهكذا تجري الأيام.. "روتين" وملل". [title]دراسة من جديد[/title] في حين كان الأمان الوظيفي هو السبب وراء التحاق السيدة "أم عمرو كلوب" في كلية التربية بعد أن بلغت من العمر 32 عاماً.. كانت السيدة كلوب تعمل في إحدى المؤسسات الخاصة وبدوام سبع ساعاتٍ يومياً بتخصصها في الصيدلة، وبعد تلك السنين الطويلة في هذا المجال التحقت بالجامعة من جديد، تقول: "درستُ اللغة العربية وقرَّرتُ الحصول على معدلٍ ممتاز لأضمن به الحصول على وظيفة معلمة ثابتةٍ في الوكالة، بالرغم من أني أم لثلاثة أطفال، ليتحقق مرادي وأتخرج بامتياز، ثم ما لبثت أن استدعَتني الوكالة للعمل على بند "بدل الأمومة"، ثم تمّ تثبيتي والحمد لله"، تضيف: "اليوم أشعر بالفرق وأشفِق على حال الموظفات صاحبات الدوام الطويل، ويكفيني أني أصبحت في أمانٍ وظيفي بفضل الله قبل الادخار عند التقاعد". [title]عُطلة ممتِعة[/title] الحال لا يختلف مع المُعلِّمة مفيدة دوَّاس والتي تقول بمزاحٍ:"أصبحت أنتظر الحمل والولادة بفارغ الصبر كي أحظى بإجازةٍ طويلة، والأروع من إجازة الأمومة إجازةُ العطلة الصيفية ففيها تجديدٌ كبيرٌ ومتعة، وهذا ما يميز مهنة التدريس عن غيرها من المهن". بالمقابل، تندم السيدة حنان يونس لأنها لم تستمع لنصائح والديها اللذين خاضا تجربة طويلة في مهنة التدريس حين طلبا منها التسجيل في قسم التربية، وقرَّرت التسجيل في قسم الإعلام، وحول هذا تقول:"نعم أندم، وإن كنت أشعر بمتعةٍ في الإعلام، لكن تلك المتعة بما فيها من إرهاق بدني ونفسي وغياب طويل عن الأبناء والزوج والبيت وغياب العلاقات الاجتماعية الأسرية تفقِد الإعلام حلاوته، وقد تفقده رسالته إن زادت الضغوط النفسية". بينما الغريب غير الجديد في الأمر أنه حتى الشباب اليوم يفضلون الارتباط بمعلِّمة على الارتباط بأخرى صاحبة وظيفة بدوامٍ طويل ومُرهق! فهل يا تُرى تسعى المؤسسات الأخرى لإحداث التوازن؟!... رسالةٌ تبرقُها "فلسطين".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.