تكمن مخاطر استمرار سلطات الاحتلال بتنفيذ عمليات هدم المساكن والمنشآت في قرى الأغوار وطوباس، أنها تأتي في إطار مخطط يستهدف تفريغ تلك المناطق من ساكنيها الأصليين، وتسهيل سيطرة المستوطنين عليها.
وما جرى قبل يومين في قرية العقبة شرقي طوباس شمال الضفة الغربية خير مثال على ذلك.
فالقرية تقع على سفوح جبال غور الأردن إلى الشمال الشرقي من مدينة طوباس، ولا يتعدى عدد قاطنيها اليوم 300 مواطن يعملون في الزراعة وتربية المواشي.
وهي تعد تجمعا سكانيا زراعيا شبه رعوي يتواجد عى أراض خاصة وبعضها تابع للبطريركية اللاتينية قبل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية في العام 1967، وتعرضت بعض منشآتها للهدم أكثر من مرة، بحجة البناء دون تراخيص.
وأصبحت القرية محطّ أنظار الكثيرين، حيث دارت معارك في القضاء الإسرائيلي بين أهاليها وجيش الاحتلال، حيث تبنت "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية رأي الجيش القاضي بهدم بيوت المواطنين بها.
وتعود توصيات الجيش الإسرائيلي حسب الحاج سامي صادق رئيس المجلس القروي للعقبة بأن تضاريسها تشبه إلى حد قريب تضاريس جنوب لبنان، ما يجعل الجيش الإسرائيلي يستخدمها كمنطقة تدريب لقواته.
وتتعرض العقبة بشكل ممنهج منذ عام 67 لخطة إسرائيلية محكمة للقضاء عليها وشطبها عن الخريطة، وهو ما يؤكده صادق في حديثه لـ"فلسطين الآن".
يقول الرجل -الذي يتحرك على كرسي كهربائي كونه يعاني من إعاقة حركية بسبب إصابته برصاصات من جنود الاحتلال فترة شبابه- "العقبة تعيش الآن في أقسى ظروف حياتية، حيث يعيش الأهالي قلقاً دائماً نتيجة القرار الإسرائيلي بهدم بيوتهم".
قصة قديمة
وفي بداية عام 2004 تسليم رئيس المجلس خريطة من الجيش الإسرائيلي ودائرة أراضي "إسرائيل" بمخطط مقترح للقرية، الأمر الذي رفضه الأهالي، حيث يقضي المخطط بهدم ما يقارب 90% من القرية، إضافة إلى المسجد والعيادة الصحية ومدرسة ورياض أطفال.
تسارعت أحداث العقبة حسب صادق إلى أن صدر القرار الظالم من محكمة العدل العليا بهدم 97% من مباني القرية، وذلك بتوصية من الجيش الإسرئيلي بحجة البناء بدون ترخيص.
وبيّن صادق أن ما تدعيه سلطات الاحتلال بعدم وجود تراخيص واقع أوجدته هي نفسها، من أجل إجبار المواطنين على الرحيل من القرية، كما أن السلطات الإسرائيلية امتنعت عن منح أية تراخيص للمواطنين من أجل البناء.
هدم جديد
طيلة السنوات الماضية تتعرض القرية لاقتحامات من الجنود ومعهم الجرافات حيث يقدمون في كل مرة على هدم عدد من المنشآت.
فجر الأربعاء 5-8، تكررت المأساة، فقد استيقظ الآهالي على هدم قوات الاحتلال 18 منشآه سكنية وزراعية وبركسات في العقبة، والخرب والقرى المجاورة لها مثل "يرزا"، و"الميتة"، بالأغوار الشمالية، بحجة البناء دون ترخيص.
صادق أوضح أن المنشآت التي هدمت كانت تستخدم لأغراض زراعية وتخزين الحبوب وتربية المواشي، حيث طالت عمليات الهدم عددا من بركسات الدجاج والمنشآت الزراعية التي تعود لمواطني القرية.
كما قامت قوات الاحتلال باقتلاع عمود كهرباء داخل القرية، ومن ثم توجهت إلى خربة يرزا المقابلة، وقامت بهدم منشأة للأغنام بالخربة، مسببة خراب ودمار بالممتلكات العامة والخاصة للقرية، التي تتعرض لتهديدات مستمرة بالإزالة لمبانيها ومنشآتها.
مخططات هيكلية
من جهته، حذر مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، في بيان وصل "فلسطين الآن"، الجمعة، من سياسات الاحتلال الواضحة في تفريغ الأغوار عامة والعقبة خاصة من سكانها.
وأضاف إنه "كحلّ لهذه المشكلة، وعوضا عن تبني قضايا الهدم الفردية، عمل المركز على تطوير مخطط هيكلي للقرية وقدمه لما يسمى "الإدارة المدنية" في الأعوام 2008 و2011 على التوالي، حيث لم يكن هناك مخطط للقرية من قبل، إلا أنها رفضته في حينه لعدم رغبتها الاعتراف بحق هذا التجمع في الوجود، واقترحت إمكانية توجه سكان القرية للسكن في القرية المجاورة لهم، التي لديها مخطط هيكلي".
وتابع إنه رفض هذا الاقتراح وعدل المخطط المقدم لمواءمته والاشتراطات الإسرائيلية، ولكن رفضت "الإدارة المدنية" هذا المقترح للمرة الثانية، بحجة أن عدد السكان قليل ولا حاجة لإعداد مخطط هيكلي لهم، إضافة إلى أن المخطط لا يتطابق والاشتراطات الإسرائيلية.
وركز المركز على أهمية التدخل لإعداد مخططات هيكلية للتجمعات الفلسطينية في المناطق المصنفة "ج" في شراء الوقت، وحماية المنازل المهددة بالهدم من أن يتم هدمها تحت حجة عدم وجود مخطط هيكلي.
ملكية الأرض
وتشترك "الإدارة المدنية" على المواطنين ملكية الأرض للسماح لهم بالتقدم بطلبات ترخيص بناء، مع الاستمرار في اشتراط أن تكون قطعة الأرض مملوكة لشخص واحد، وبناء بيت واحد فقط على قطعة الأرض وبمساحة محددة بغض النظر عن مساحة الأرض.
لكن نظرا لطبيعة ملكية الأرض في الضفة الغربية، فإن هذه الشروط تعد تعجيزية، حيث يعتبر القسم الأكبر من أراضي الضفة غير مسجلة، وأوقفت إسرائيل تسجيل الأراضي بعد احتلالها للضفة الغربية في العام 1967، وبمرور الزمن تفتتت الملكية بعوامل الإرث وتشتت الفلسطينيون في شتى أنحاء العالم، الأمر الذي جعل عملية تسجيل الأراضي أمرا في غاية الصعوبة.





