ترتسم نشوة العز والفخار على ملامح الوجوه حينما يتوج أحد أبناء العائلة بلقب "البطل"، وتزداد وتيرة الفخار بعدد تلك المؤبدات التي يحكم بها بطلهم في سجون الظلم الإسرائيلية، فكم وصل حد الفخار لدى عائلة قدمت نجليها "أبطالاً" ، جمعت سنوات حكمهما بالآلاف.
عائلة الحاج حسن الرجبي من الخليل، يصل عزها بأبنائها عنان السماء، وتحلق أرواحهم عاليا كلما ذكر اسم (علي وباجس) أحدهما أو كلاهما، فالأول يحمل وسام العز بـ 19 مؤبداً، وباجس يحمل وساما العز بمؤبد واحد إضافة إلى 12 عاماً.
تفاصيل الاعتقال
"حياة" شقيقة الأسيرين تروي لمراسلة "فلسطين الآن" تفاصيل الحكاية فتقول :" لم نكن ندرك في عائلتنا أن يوم 29/6/2002، سيشكل مفصلاً في حياتنا جميعاً، ولم ندرك أن لم شمل عائلتنا سيتفرق، وستحول سنين طويلة دون اجتماعنا من جديد، ففي ذلك اليوم اعتقل شقيقي باجس، ولحقه بعدها بأشهر قليلة شقيقي الأكبر علي، وهما رجلا أبي الفتيين إضافة لشقيقي الصغير أحمد الذي كان وقتها بعمر 3 سنوات فقط ، ونحن الشقيقات الست.
تقول الرجبي :"اعتقل أخي باجس التقي النقي بعد عام ونصف على مطاردته من قبل جيش الاحتلال، وكان قد بلغ وقتها (22 عاماً)، وجرت عملية اعتقاله من أحد البيوت في منطقة عين عرب في شارع وادي التفاح وسط الخليل، بعد أن تم تطويق المنطقة وتهديد الاحتلال بهدم عدد من المنازل إن لم يسلم نفسه، ووضع مباشرة في إحدى الدبابات، وباشر الجنود حلقة تعذيبه الأولى والتي انتهت بعد سبعين يوم في أقبية تحقيق عسقلان، دخل خلالها المشفى ثلاث مرات لكنه بقي صامدا كجبال الخليل التي ربته، ولم يعترف بكلمة".
وتضيف الرجبي :"بعد تلك الحادثة بشهور قليلة اعتقل أخي الأكبر علي بتاريخ 9/3/2003م، بعد أن حوصر منزلنا، وزرعت حوله المتفجرات تهديدا بتفجير المنزل إن لم يسلم نفسه، وكان يبلغ وقتها (25 عاماً)، ولديه من الأبناء براء التي تزوجت ووالدها في السجن إضافة لشقيقيها حسن وقسام ، حيث جرت عملية اعتقاله من البيت بعد تتبع العملاء له، وأمضى في التحقيق 48 يوما قاسيات، تعرض خلالها للشبح 17 يوما متتاليات، فكان مصيره الأسر، بعد أن كان يخطط للشهادة في اليوم الذي تلا اعتقاله برفقة حافظ الرجبي الذي سبقه للشهادة حين نفذ وحيدا العملية التي كانا يخططان لها إلا أن الاعتقال لعلي كان أسبق".
شكل اعتقال مفاجأة للكثيرين تقول الرجبي، حتى أن عدداً منهم ظن أن الموضوع لا يتعدى تشابه أسماء فقط، فعلي صاحب الظل الخفيف والروح المرحة لا يمكن أن يكون قساميا، لكن الحقيقة كانت مختلفة تماما"
تكمل الرجبي: "وبعد حوالي عامين على اعتقالهما، عقدت لهما محاكمة خاصة في مدرج في تل أبيب، -رغم أنهما كانا يعملان في خليتين منفصلتين-، اتهم فيها أخواي بالتخطيط لعملية حيفا التي نفذها الاستشهادي محمود القواسمة، إضافة لإطلاق النار في وادي النصارى وعدة عمليات أخرى".
في يوم المحكمة تقول الرجبي :" حضر أهالي قتلى العمليات التي اتهم شقيقاي بالتخطيط لها أو تنفيذها مع آخرين، ومنع أهلي من حضور الجلسة بادعاء الخوف على حياتهم من أهالي القتلى، وصدرت أحكام مجحفة بحقهما، حيث حكم علي بالسجن 45 مؤبد، ثم استؤنف الحكم 19 مؤبد، وكان يومها أسداً يضحك بصوت هصور مستفزا جميع الحاضرين، أما باجس فقد حكم بالسجن 25 مؤبداً و12 سنة، خفضت لمؤبد واحد و12 سنه فقط.
محنة بداخلها منحة
تقول الرجبي :" وبعد أكثر من 13 عاما على اعتقالهما، حصل خلالها أخي علي على شهادة الثانوية العامة داخل السجن، ومن ثم شهادة البكالوريوس، أما باجس فقد أتم حفظ القران الكريم، وأكمل البكالوريوس والماجستير في الصحافة والإعلام، كما وبدا مشواره الأدبي في تأليف أولى رواياته التي لم تصلنا مسودتها بعد".
خيبة وأمل
وبعد تنهيدة قالت حياة: "كنا ننتظر الإفراج عنهما أو عن أحدهما على الأقل في صفقة وفاء الأحرار، وكان الحال مشابه لحالهما أيضا لدرجة سمعنا بأنهما قد جهزا حقائبهما، ولكن أراد الله أن يستمر شتاتهم عنا.
اختتمت حياة الرجبي حديثها قائلة: " ننتظر الآن أن يدق الأمل بابنا من جديد بصفقة وفاء الأحرار 2 ، فنحن ننتظرها بكل شوق وأمل، وكلنا يقين بتبييض السجون تماما، فثقتنا بالله وبقادة المقاومة عالية".