ليومين متتالين، تصل الصحفيين دعوات لتغطية فعاليات شعبية على مدخل قرية دوما، جنوبي نابلس. تلك القرية التي قضى فيها الطفل الرضيع علي سعد دوابشة فجر الجمعة، الفائت حرقا على يد المستوطنين الإرهابيين.
يلبي الصحفيون دعوة اليوم الأول بكل سرور، فالحدث الأليم يستحق أن تنقل صورته للعالم أجمع، ليرى بشاعة الجرم الإسرائيلي، لكن المفاجأة أن أحداً من الداعين أو المواطنين أو الناشطين الميدانيين لم يحضر. تقارب الساعة على السابعة قبيل المغرب. فيقرر الصحفيون الانسحاب.
في اليوم التالي ذهبوا، حيث تغير مكان الفعالية، لكن الأمر تكرر، ولم يجدوا أحداً بانتظارهم.
مراسل "فلسطين الآن"، حاول متابعة ما جرى لمعرفة الأسباب وراءه، لا سيما أن مداخل البلدة شهدت في اليومين مواجهات عنيفة مع الاحتلال وقطعوا الطريق على المستوطنين ومنعوهم من المرور على الطرق الخارجية.
مصدر من داخل البلدة كشف عن ضغوطات تعرض لها المجلس القروي في دوما من ضباط في أجهزة السلطة وبعض قيادات حركة فتح لثني المواطنين عن المشاركة بأي فعالية تسفر عن احتكاك مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي.
ليس هذا وحسب، بل وصلت الضغوط حد الاقتصار من بعض الفعاليات الجماهيرية داخل القرية ذاتها، وإنهاء مراسيم استقبال المعزين، والبدء بإعمار المنزل المحروق لعائلة دوابشة حتى لا يبقى مزارا لكل من يزور القرية.
يقول المصدر: "كان كلام بعض أعضاء المجلس القروي وكبار السن، وضباط في السلطة وكأنه يقول إن رسالة القرية وصلت، والرد على الجريمة بحرق الطفل كان مقبولاً، ولا داعي لاستمرار الاحتكاك والمواجهات، سعيا لأن تعود الحياة إلى طبيعتها في المكان والمواقع المجاورة وتحديدا في جنوبي نابلس".
كلام في الهواء
وكشف المصدر إلى أن كل ما جرى من وأد لتلك الفعاليات كان على ما يبدو بقرار من أعلى المستويات، "التي لا تريد الانجرار إلى مربع العنف، وحتى لا يجلب الفعل رد فعل وتتطور الأمور وقد تخرج عن السيطرة".
وتابع "بعد الموقف المشرف لأبناء القرية والقرى المجاورة خلال المواجهات التي جرت عصر الأحد الماضي، حيث واجهوا بكل بسالة قوات الاحتلال ومنعوا المستوطنين من المرور عبر الطريق الرئيس، اتخذت السلطة قرارا حاسما بتهدئة الأمور، فأمرت المجالس القرية في جنوب شرق نابلس بضبط الأوضاع مهما كان الثمن".
وشدد على أن حركة فتح من خلال تنظيمها في منطقة "المشاريق" (أي قرى شرق نابلس بمن فيها دوما وعقربا وقصرة)، حاولت الالتفاف على الغضب الجماهيري بالإعلان عن تشكيل لجان حراسة ليلية للتصدي للمستوطنين.
ومن خلال التحري لمراسل "فلسطين الآن" تبين أن الأمر إعلامي بالدرجة الأولى، حيث أن فتح تواصلت مع عدد من الصحفيين والفضائيات المحسوبة عليها أو مقربة منها، ونسقت لهم لإعداد تقارير ليلية عن تلك اللجان، من خلال مرافقتها في عملها الذي يبدأ بعد العشاء حتى ساعات الفجر الأولى.
وبالفعل، أعدت بعض وكالات الأنباء الأجنبية والمحلية تقارير عن عمل لجان الحراسة، الذي تواجدوا لليلتين فقط، وبعدها انتهى الأمر وكأنه لم يكن.
يقول أحد الصحفيين إن مديره كلفه بتقرير مصور عن لجان الحراسة في دوما، وأبلغه أن شخصا ما سيتصل عليه لينسق معه. يتابع "بالفعل، ليلة الثلاثاء الماضي ذهبنا لدوما فكان بانتظارنا عدد من الأشخاص من بينهم أمين سر فتح في تلك المنطقة، أجرينا معه مقابلة، ثم نقلونا إلى منطقة سهلية، حيث تواجد نحو 7 شبان، كان معهم "جيب قديم"، وإضاءة "كشاف كبير"، وعصي وبعضهم كان ملثما، وأبلغونا أن هذه هي إحدى فرق لجنة الحراسة الليلة لمواجهة المستوطنين".
وأضاف "لا يملكون أي عتاد لمواجهة المستوطنين، كان يلتف حولهم عدد من الأطفال وكبار السن.. وسهروا يتناولون القهوة وبعض الطعام، ولم يتحركوا من مكانهم كثيرا".
لجان شكلية
من جهته، قال رئيس اللجنة التنسيقية للجان المقاومة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان منذر عميرة إن "إعلان العديد من المناطق والفصائل في القرى والبلدات المحاذية للمستوطنات تشكيل لجان حراسة ليلية أمر جيد وايجابي، لكن المطلوب ألا تكون لجان مشكلة كردة فعل لا أكثر، وأن تعمل وفق إستراتيجية وطنية".
وأوضح أن موقفه هذا جاء بسبب الإعلان عن تشكيل العديد من اللجان الشعبية لحراسة القرى المستهدفة من المستوطنين في فترات ماضية عندما اعتدى المستوطنون على مساجد وكنائس وممتلكات عامة، لكن سرعان ما تم تناسي هذه اللجان وعملها كونها جاءت كردة فعل بعد العديد من الاعتداءات، "وبالتالي فإنه من المهم أن تكون اللجان المشكلة لجان تعمل على تعزيز المقاومة الشعبية بكافة أشكالها، بدءاً من مقاومة الاحتلال مروراً بأعمال إسناد المزارعين والمواطنين من خلال مساعدتهم على زراعة وحصد المزروعات".