تشعر الفلسطينية مروة عبيد، بقلق بالغ، كلما اقترب موعد العام الدراسي الجديد، خوفاً من تأجيل الدراسة في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وذلك على إثر الأزمة المالية التي تعاني منها الأخيرة.
ففكرة جلوس أبنائها الأربعة في المنزل، وانشغالهم في اللعب بعيداً عن تحصيل العلم، تزيد من توترها، كما تقول للأناضول.
وتضيف عبيد (39 عاماً): " كارثة إن تم تأجيل العام الدراسي، أين سنذهب بأولادنا؟، المدارس الحكومية غير قادرة على استيعابهم، مستقبلهم في خطر، أطفالي الأربعة (يدرس جميعهم في المرحلة الابتدائية) متفوقون، وأي تغيير من شأنه أن ينعكس سلبا عليهم".
وعبيد واحدة من آلاف أولياء الأمور الذين باتوا يترقبون بقلق، تصريحات "أونروا" وتحذيراتها المتكررة من عدم قدرتها على ضمان عودة نصف مليون طالب فلسطيني إلى مدارسها (البالغ عددها 700)، في مناطقها الخمس (غزة، الضفة، الأردن، لبنان، سوريا) بسبب "نقص التمويل".
وكانت الأمم المتحدة أعلنت قبل أسبوعين، أن هناك احتمالات لإغلاق 700 مدرسة تعنى بتقديم خدمات تعليمية للاجئين الفلسطينيين في منطقة الشرق الأوسط، بسبب نقص الاعتمادات المالية.
وذكر المفوض العام للوكالة، بيير كراهينبول، في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الأردنية، في 15 يونيو/حزيران الماضي، أن عجز الوكالة للعام الحالي بلغ 101 مليون دولار.
وفي قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2007، يتوزع 248 ألف طالب وطالبة على 252 مدرسة، وفقا لـ"أونروا"، يعانون من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة جراء الحصار والحروب الثلاث التي عصفت بالقطاع في الأعوام الستة الماضية.
ودفع الخوف الكثير من الأهالي في القطاع، إلى محاولة نقل أبنائهم من المدارس التابعة لـ"أونروا" إلى المدارس الحكومية.
وتقول مريم مديرة إحدى المدارس الحكومية في مدينة غزة، والتي فضلت الاكتفاء باسمها الأول لوكالة الأناضول، إنّها فوجئت في اليومين الماضيين بعشرات أولياء الأمور الذين يطالبون بنقل أبنائهم.
وتضيف: " هناك حالة من القلق غير المسبوق لدى أولياء الأمور، الأمر صعب جداً، ولا يمكن استيعاب الطلبة اللاجئين، خاصة ونحن نتحدث عن اكتظاظ في مدارس الحكومة، أتمنى أن يبدأ العام الدراسي دون مشاكل، وأن يتمكن كافة الطلبة من الجلوس على مقاعدهم الدراسية".
وهو الأمر نفسه الذي يتحدث نه زياد ثابت، وكيل وزارة التربية والتعليم التي تشرف عليها حركة حماس في غزة، قائلاً إن وزارته أصدرت قراراً يمنع عمليات نقل الطلبة من المدراس التابعة لـ"أونروا" إلى نظيرتها الحكومية، مشيراً إلى أن الأخيرة لا يمكن لها أن تستوعب أعداد الطلبة اللاجئين.
ووفقاً للمسؤول نفسه، فإن العام الدراسي لهذا العام، ينطلق في الـ24 من الشهر الجاري، وسط نقص شديد في المدارس، يصل إلى نحو 200 مدرسة، و"لهذا السبب من الصعب أن يتم استيعاب طلبة مدارس الأونروا"، على حد قوله.
ويبلغ عدد الطلبة الذي يدرسون في المدراس الحكومية، نحو 232 ألف طالب، وتعمل أكثر من 70% من مدارس القطاع (265) بنظام الفترتين الصباحية والمسائية، بسبب نقص المدارس، بحسب ثابت الذي أعرب عن أمله في أن يتم حل أزمة أونروا المالية، وأن يبدأ العام الدراسي في موعده.
ويقول معلم في مدرسة تابعة للأمم المتحدة،، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن الكثير من المعلمين يخشون مصيرهم، وما ينتظرهم في الأيام القادمة، وأضاف متسائلاً "ماذا سيحل بنا، وما هو مصيرنا؟ الأوضاع الاقتصادية في غزة سيئة، راتبي هو مصدر الدخل الوحيد، لعائلتي المكونة من 9 أفراد".
وبحسب إحصائيات للأمم المتحدة، فإن 22 ألف معلم يعملون في مدارسها الموزعة على مناطقها الخمس.
وكانت "أونروا" قالت في وقت سابق، إنه سيتم دفع رواتب موظفيها خلال الشهر الحالي، مشيرة إلى وجود مشكلة حقيقية بداية من الشهر القادم اذا لم يتم تقديم الدعم لها.
وناشد الأمين العام للأمم المتحدة ، بان كي مون، في بيان صادر عن المتحدث باسمه، الدول والمؤسسات المانحة، بالمساهمة على وجه السرعة، وتقديم 100 مليون دولار للأونروا، معرباً عن قلقه العميق "إزاء الوضع المالي لوكالة، والعواقب الأمنية والسياسية والإنسانية الناجمة، إذا لم يتوفر التمويل الكافي والمستدام لعام 2015 وما بعده، على الفور".
ويقول سميح حرارة، وهو والد لستة أبناء يدرسون في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، إنّه لا يستوعب فكرة تأجيل العام الدراسي.
ويضيف حرارة (45 عاما) في حديث مع الأناضول : " هذه كارثة لا يمكن السكوت عليها، في حال تم اتخاذ مثل هذا القرار، فعلى الوكالة والمجتمع الدولي، أن يستعدوا للغضب الشعبي".
طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية الصادرة من الضفة الغربية، يرى أن تأجيل العام الدراسي بالنسبة لمدارس الأونروا "قد تؤدي إلى تعقيد الأمور في قطاع غزة".
ويقول عوكل : "على المجتمع الدولي أن يخشى الغضب الشعبي، فالأوضاع لا تحتمل مزيداً من الضغوط، هناك آلاف الطلبة، ومئات المعلمين، نتحدث عن ظرف استثنائي تعيشه غزة، وبالتالي هذا الأمر قد يؤدي إلى انفجار لا يمكن التنبؤ بعواقبه".
ويرى عصام عدوان، رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة حماس، بغزة، أن الوكالة الدولية تتحمل كافة التداعيات التي قد تنجم عما وصفه بإلقاء آلاف الطلبة والموظفين في الشوارع.
ويضيف عدوان "لا يمكن السكوت على ما يجري، الأزمة قد تكون مفتعلة، وسياسية، هناك مخططات إقليمية، ودولية لدفع الوكالة نحو إنهاء خدماتها، وتصفية قضية اللاجئين".
ويرفض عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم "أونروا" في قطاع غزة، اتهامات افتعال الأزمة وتسييسها.
ويقول أبو حسنة: " الوكالة رفعت صوتها عالياً، وتحاول جاهدة خلال الأسبوعين القادمين، أن تنجح في سد العجز المالي، فنحن ندرك أن تأجيل العام الدراسي، يعني أن هناك الآلاف من الطلبة سيكونون في الشارع، إلى جانب ما قد يولده هذا القرار من انفجار سياسي وأمني".
وفي 29 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت "أونروا"، أن 85% من إجمالي عدد موظفيها الدوليين البالغ عددهم 137 موظفاً، والذين يعملون بعقود قصيرة الأجل، سينفصلون عن العمل، وفق عملية تتم على مراحل وتستمر حتى نهاية سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي الشهر نفسه، أعلنت فتح باب التقاعد الطوعي، قبل بلوغ السن القانوني للتقاعد (60 سنة)، بهدف تقليص النفقات والتكاليف الداخلية لديها.
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قال في كلمة له خلال اجتماع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية، بالقاهرة، الأربعاء الماضي، إن وكالة الغوث معرضة لإقفال المدارس، والخطر ليس في الضفة وغزة فقط، وإنما أيضاً في الأردن، وسوريا، ولبنان، آلاف الطلبة سيكونون في الشارع، جاهزين لداعش".
ودعا عباس إلى ضرورة الإسراع في مساعدة "أونروا" وحل أزمتها المالية كي لا يكون الأطفال والفتية عرضة لما وصفه بـ"ابتزاز المنظمات الإرهابية".
حركة حماس التي لا تزال تسيطر على مقاليد الحكم في قطاع غزة، هي الأخرى حذرت من ترجمة تصريحات "أونروا" إلى خطوات عملية، وقالت الحركة في بيان لها، إن "تأجيل العام الدراسي، يضاعف من حالة التوتر في المنطقة ويساهم في خلق أوضاع لن يستطيع أحد السيطرة عليها".
وتأسست "أونروا" بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين لاجيء فلسطيني، مسجلين لديها في مناطق عملياتها الخمس بالأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمحنتهم، وتشتمل خدمات الوكالة التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة، وتحسين المخيمات، والإقراض الصغير.
وتقول الوكالة الأممية إن التبرعات المالية لم تواكب مستوى الطلب المتزايد على الخدمات الذي تسبب به العدد المتزايد للاجئين، وتفاقم الفقر والاحتياجات الإنسانية، خصوصاً في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ ثماني سنوات.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن قرابة 1.3 مليون لاجئ، يعيشون في قطاع غزة، و914 ألف في الضفة الغربية، و447 ألف في لبنان، و2.1 مليون في الأردن، و500 ألف في سوريا.
وتعتمد الأرقام الصادرة عن "أونروا" على معلومات يتقدم بها اللاجئون طواعية، ليستفيدوا من الخدمات التي يستحقونها، في حين أن هناك لاجئين غير مسجلين في منطقة عمل المنظمة الدولية.