26.28°القدس
26.37°رام الله
28.3°الخليل
30.11°غزة
26.28° القدس
رام الله26.37°
الخليل28.3°
غزة30.11°
الثلاثاء 06 اغسطس 2024
4.88جنيه إسترليني
5.4دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.83دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.88
دينار أردني5.4
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.83

خبر: آلامْ النُّمو

قد تُعَبِّر أُمّهات أُميّات عن حالات ومواقف بالفطرة السَّليمة والمعاناة الحقيقية أكثر من المُتَحذْلقين وَمُدَّعي الفَصاحة والبيان . فما كُنَّ يسمينه، ونحن أطفال شرش أو شريان الطول عندما يشكو الصغار من ألم غامض في أجسادهم السّليمة والخالية من الأمراض، هو بتمامه وكماله ما يسمى عِلْمياً آلام النّمو، وهذه الآلام ليست حكراً على الجسد، فالدول تعانيها إذا قرّرت النّمو فعلياً من خلال ما يطلق عليه مشاريع التنمية البشرية والثقافية والاقتصادية، وكذلك الشعوب إذا اعترفت بِقُصورٍ ما وأصرّت على نَقْد ذاتيّ يُحدّد وَيُشخّص نقَاط الضَّعْف في نسِيجها الحيّ . ونَقيضُ آلام النُّمو هو اسْتِمْراء البطالة واحتراف التّثاؤب وما يؤدي إليه من اسْتِنْقاعٍ وعَطَن . وهناك مثل فرنسي طريف، يقول إنّ مَنْ يَصْحو من النّوم ولا يشكو مِن أَلَمٍ حتى لو كان عَابِراً، هو الإنسان المَيّت، فالألم صديقُ الإنسان وحَليفه، ولهذا فالأمراض الخبيثة والقاتلة تَفْتك به بصمت وبلا أي شعور بالألم، وما يَغيبُ عن ثقافة وأدبيات التّنمية في الدُّول الأقل تقدّماً، هو تَثْقيف الناس بهذا العَرَض المصاحب للنّمو . لأن بناء الخلايا في الجسم الاجتماعي لا يختلف كثيراً عنه في الجسم البشري من الناحية العُضْوية، والخَطأ الجسيم الذي يقع فيه أصْحاب الوُعود بتحقيق الرَّفاه وَحَلّ الأزمات، هو تصوير الأمر كما لو أنه يحدث بسلاسةٍ وَيُسْرٍ وَمُعْفىً من أيّة ضرائب نفسيّة وَمَعْنَوية، لأن هذا النّمط من الضّرائب التي تقدمها المجتمعات الخارجة للتّو من أزمات مُزْمِنة وبطالة سياسية طويلة، قلّما يُشارُ إليه، لاعْتقاد الناس أن الضّرائب هي ماليّة فقط، وَتُحْصى بالحواسيب لا بالجُهد والمثابرة والدّأب . إنّ بَعْضَ الآلام يتحوّل إلى مَطْلَب إنساني وقوميّ إذا كان مُصاحباً للنّمو الحقيقي وتخطّي الشروط التي تُحاصر الناس، سواء تَمثّلت بالبيئة والمناخ أو بالتخلف والفقر، ليس فقط لأن الدُّنيا تؤخذ غلاباً، كما قال الشاعر العربي الذي سخر من نيل المطالب بالتمني فقط، بل لأن قوانين الوجود، ومنها قوانين التاريخ التي لا تعفي مَنْ يجهلها مِنْ دفع الثمن تجزم بأن الخُضوع لأيّ أمرٍ واقع، سواء كان سياسياً أو مُناخيّاً أو صحّياً وثقافياً، هو مثلُ رَفْع الرّاية البيضاء، وعندئذٍ على المهزوم أن يرضى بقدره، لأنه استسلم ولم يُحاوِرْ أو يُبَادرْ . ومن المفارقات أنّ جيوش الدّول التي توصف بأنها محايدة وغير مُؤهّلة لخوض الحروب تتعرّض لتدريبات بالغة القسوة، منها مثلاً الزَّحف على الجليد كما يحدث في شمالي أوروبا، والهدف من ذلك هو الحفاظ على حالة من العافِية وَعَدم فُقْدان التأهيل لهذه الجُيوش العاطلة عن الحروب عندما تأزف الحاجة إليها . تنمية البُلْدان والإنسان ليست رقصة جماعية على إيقاع نشيد حماسي، ولا هي تَدْليك نَرْجسّيات جريحة أو ذابلة بسبب تَعاقُب الإخْفاقات والهزائم، وهذا النمط الكَرنْفالي من ثقافة النّمو يُضاعِفُ من صَدْمةِ الناس بالنتائج، والوعود التي دَغْدَغْت عواطفهم تُصبح عُرْقوبّية، وقد تَتَسّبب في إحباط يَحولُ لاحقاً دون أية محاولة لاستدراك ما تبقىَ وكما أن الحروب نوعان، كلاميّ وإعلاميّ سِلاحُهُ الأَبْواق وتَهْييج المشاعر مُؤقّتاً، وَمَيّداني يَغْلُب عليه التَّكَتّم لمفاجأة الخصم، فإن للنّمو أيضاً مثل هذين الأسْلوبَيْن، وفي العالم الذي يُصنف بأنه الثالث، وقد يكون في حقيقته ما بعد العاشر، يُنْفَقُ على إعلام التنمية معظم ما كان مخصصاً من أجلها، لهذا لا تكون هذه التّنمية إلا على الورق أو في الهواء، ولو كان النّمو على اختلاف أشكاله مَيْسوراً وبلا آلام، لتحقق للناس جميعاً بالتّساوي، لكنه عكس ذلك تماماً، فمَنْ لا يُجازف بتحمّل آلامه سواء كان فرداً أو مُجتمعاً أو دَوْلةً، سَيُحَرم منه بالتأكيد، وعندئذٍ تبدأ رحلة البحث عن مشاجب من ورق أو خَشَب هَشّ لكي تُعلَّق عليها مُعَوِّقات هذا النّمو، ولكي تُعْفى الذات مما اقْتَرَفتْ من كَسَلٍ وَتَأقْلُمٍ سلْبيّ مع كل طارئ .