يميناً فرشت بساطاً أخضر ونثرت على وجهه أصنافاً من المزروعات الورقية كالجرجير والفجل والنعناع والبقدونس والجرادة، بينما يساراً خصبت التربة لتلاءم الزعتر والمريمية ومحاصيل موسمية أخرى كالبندورة والفلفل الأخضر والملوخية وغيرها. وبين حين وآخر تخبرها أصوات الدجاجات في حظيرتها المتواضعة بإنتاجها البيض فتسرع إلى جمعه، إنها مملكة مساحتها 230 متراً خاصة بالسيدة الفلسطينية سميرة أبو شلوف، تقع في منطقة المغراقة وسط قطاع غزة، لقد تغيرت حياة هذه السيدة وحال أسرتها المكونة من 12 ابنا وبنتا عندما قررت العكوف على زراعة حديقتها المنزلية، وأصبحت حياتها عنوانا للنجاح والسعادة بعد أن تغلبت على الظروف المعيشية الصعبة التي عاشتها وأسرتها خلال السنوات الماضية. اليوم تنتج مزرعة أم طارق ما يطيب خاطرها ويرضيها، فبعض المُنتج تستهلكه وأسرتها والبعض الآخر تهديه لــ "الحبايب" من الأهل والجيران وما يفيض يذهب به زوجها إلى السوق فيعود لها بمال يسير لكنه يعينه على تلبية متطلبات أطفاله. [color=red][title]فرق واضح[/title][/color] لم يكن حال سميرة قبل أشهر قليلة على ما هو عليه الآن، فقصر ذات اليد عنوان ملامحها وأطفالها الاثنى عشر، والعجز شعور تغلغل إلى نفس زوجها نتيجة عمله المتقطع وعدم قدرته على الإيفاء بمتطلبات أسرته البسيطة والتي أهونها كسرة خبز مغمسة بطعام صحي، لكن معلومة تناهت إلى مسامعها بإقدام مؤسسة ملتقى النجد التنموية بالتعاون مع الإغاثة الزراعية على تنفيذ مشروع الحديقة المنزلية غيَّرت مجرى حياتها إلى العكس تماماً فباتت الابتسامة لا تفارق وجوه أطفالها وحالة الرضا تغلب على حديث زوجها، بينما شقت فرحة العمر طريقها إلى قلبها بعد أن نجحت في تأمين قوت أسرتها وأضافت إلى مدخلاتها مصدر رزق ثابت من خلال حديقتها المنزلية العامرة بالخضراوات والدواجن كونها تبيع بعضها فتجني ربحاً جيداً. توضح سميرة وكنيتها "أم طارق" أنها تقدمت كعشرات النساء من منطقتها للحصول على دعمٍ لمشروع الحديقة المنزلية من مؤسسة النجد التنموية، فوجود أرض خالية في محيط منزلها كان سبباً رئيسياً في حصولها على التمويل والدعم، مضيفةً :"خضعت لتدريب عملي حول كيفية الزراعة والعناية بالمزروعات وريها ومن ثمَّ بعد التأكد من تطابق شروط المشروع على حالتي الاقتصادية حصلت على التمويل". و"التمويل" كما فصّلته كان عبارة عن معدات وآليات كالسياج لتأمين الحديقة وآلات الري والحرث البسيطة كالفأس بالإضافة إلى البذور والشتلات الزراعية، وكذلك حصلت على وحدة الدواجن المكونة من ثماني دجاجات بيّاضة، وهي أيضا ترعى المزروعات والدواجن بمداد حبها ويقينها أنهما سيكونا سبباً في تخليصها وأسرتها من حالة الفقر والبؤس التي عانوا منها طويلاً. [color=red][title]هدايا للجارات أيضاً..[/title][/color] فوجئت أم طارق بحجم النجاح الذي حققته، فالمزروعات التي غرستها في الأرض منحتها الاكتفاء الذاتي وكانت عاملاً مهماً في توفير وجبة غذاء صحية وضرورية لأفراد أسرتها كما أنها مع زيادة إنتاج المحاصيل لم تملك إلا أن تخصص شيئاً منها كهدايا لجاراتها وصديقاتها لمساعدتهم من جهة، ومن جهة أخرى "لحثهم وتشجيعهم على استغلال ما يملكون من أرض في محيط منازلهم وزراعتها بما يحتاجون من خضراوات". تعقّب :"عطاء الأرض :"عطاء الأرض مضمون بالرعاية والعناية". وما يميز زرع أم طارق أن محاصيلها الزراعية صحية وخالية من المواد والأسمدة الكيماوية (زراعة عضوية) مما جعلها مطلباً للكثير من أصدقاء زوجها بعدما تذوقوا حلاوة طعمها في بيته.عن ذلك تضيف :"كانوا يطلبون الحصول على إنتاجي الزراعي من الخضراوات مقابل مبلغ مادي، ومع ازدياد الطلب لم يجد زوجها بداً من النزول بما يفيض عن حاجة أسرته إلى السوق ليبيعها ويعود بثمنها لزوجته لتحسب التكاليف ورأس المال، ثم ما فاض من ربح تجعله مدخراً لتوفير احتياجات أطفالها وأحياناً توسيع مشروعها الصغير. تؤكد أم طارق أنها لم تتوقع أن يوفر لها مشروع الحديقة المنزلية مصدر دخل ثابت وجيد لأسرتها . [color=red][title]الصبر مفتاح الفرج..[/title][/color] حالة الرضا والسعادة التي طرقت باب قلب أم طارق وأسرتها كثمرة طيبة لمشروع الحديقة المنزلية جعلتها تؤمن بأن النجاح لا يحتاج لأكثر من العزيمة واقتلاع الخوف ورهبة العوز والفقر من القلوب، وجعلتها أكثر انتقاداً للشباب الانهزامي الذي لا يكلف نفسه شرف المحاولة "فاليأس طريقه مسدود والأمل يشرع الأبواب نحو الحياة". السيدة التي لم يتيسر لها إكمال دراستها الجامعية بعد نجاحها في الثانوية العامة بسبب الزواج تابعت :"الوضع الاقتصادي للأسر الفلسطينية جميعها ينذر بكارثة، والاستسلام له كارثة أكبر.. ولكننا نستطيع أن نتغلب عليه بإقامة مشاريع صغيرة أو استغلال الإمكانات والموارد المتاحة بأفضل الطرق"، داعية الشباب الذي يعاني البطالة والسيدات ربات البيوت إلى التفكير جدياً في استغلال أي مساحة أرض حول منازلهم لأنها كنز سيغير مجرى حياتهم ويملؤها أملاً ويزينها بالعمل. تعقب :"الصعوبات تتذلل وتنتهي بالإصرار والعزيمة والقدرة على العطاء". وأثنت أم طارق على مؤسسة النجد التي غيَّرت مجرى حياتها وأعادت البسمة إلى وجوه أطفالها بتوفير كافة متطلبات المشروع التي تضمن نجاحه واستمراره، مؤكدة أن أطفالها سعيدين جداً ويعمدون إلى مساعدتها في الاعتناء بالمزروعات وكذلك الدجاج.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.