لا شك أن كل قضية تنطلق من فكرة تبلورت أثناء رفضنا لواقع معين، تمسكنا بهذهِ الفكرة يُحولها إلى مبدأ ذات قيمة نقدم في سبيله كل ما نستطيع بنفس راضية محتسبة ونستعذب العذاب الذي قد يقودنا لدفع حياتنا ثمنا لقناعاتنا، وهذا بالضبط ما يفعله الأسير خضر عدنان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي والذي أعلن إضرابه عن الطعام منذ 47 يوما احتجاجا على سياسة الاعتقال الإداري التي تُنفذ بحقهِ وبحق حوالي 310 أسيرا من بينهم 20 نائبا في المجلس التشريعي، وكردة فعل على الإنتهاكات الصهيونية ضد الأسرى في سجون الإحتلال، والمعاملة الوحشية التي بات السكوت عليها مهانة وذل، رفع الشيخ خضر عدنان شعاره الذي يقول فيه:" كرامتي أغلى من الطعام والشراب وحريتي أثمن وجوعي حق لي "، هذا الشعار الذي تحدى به السجان ولا زال وحيدا في معركة منفردة للأمعاء الخاوية علّ العالم ينتبه أن هناك الآف الأسرى الفلسطينيين ممن فقدوا حقهم في الحياة . الشيخ خضر عدنان لا زال مستمرا في إضرابه متحديا السجان الذي قال له " لن أخرجك إلا بَعدَ أن أكسرك " ومعتبرا أن إضرابه عن الطعام هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن فكرته وعن حقوق الأسرى الإداريين خاصة والمحكومين عامة، موجها رسالته للسجان وبالحرف الواحد " إن عدتم للتمديد عدتُ للإضراب "، هذا التمديد الذي تُماطل به محكمة الإحتلال مؤجلة النظر في إعتقاله إلى بداية شهر شباط بهدف ممارسة المزيد من الضغط والإبتزاز التي تمارسه مخابرات العدو ضده، خاصة وأنهم يتبعون سياسة التعتيم الإعلامي الواضح بحق قضية إضرابه من خلال إحضاره إلى المحكمة العسكرية في عوفر خلسة ودون السماح لأحد برؤيته الأمر الذي يحجب عن الرأي العام حقيقة وضعه الصحي السيئ نتيجة الإضراب والتعذيب القاسي الذي يتعرض له خاصة وأنه يعاني من ألم في المعدة ودسك في الظهر بسبب الشبح لساعات وأيام طويلة، بالإضافة إلى التعذيب المعنوي بهدف النيل من كرامته وإذلاله. ليست المرة الأولى التي يخوض فيها الأسير خضر عدنان إضرابا عن الطعام، فهو المعتقل للمرة الثامنة على التوالي إستمر ثمانية وعشرين يوما مضربا عن الطعام في سجن كفاريونا إحتجاجا على عزله الإنفرادي ليخرج منه منتصرا، كما خاض في سجون السلطة الفلسطينية إضرابا آخرا في عامي 1999 و 2010 إحتجاجا على الإعتقال السياسي الظالم بحقه وبحق أبناء الحركات الإسلامية . ومن سجن إلى آخر لم يستطع أن يكمل دراسة الماجستير بسبب إستهدافه المتكرر من قبل الإحتلال والسلطة . بالمقابل، ماذا فعلنا نحن لنصرة هذا الأسير؟ ماذا فعل الإعلام الفلسطيني والعربي الذي لم يعد يأبه لوجود شعب يموت موتا بطيئا خاصة وأن قضية الإضراب لم تجد صداها رغم أنها ستُسَجَل مِن بين أطول الإضرابات في التاريخ متجاوزة إضراب الأسرى في سجن عسقلان عام 1976 والذي إستمر لمدة 45 يوما وكان أطول إضراب في تاريخ الحركة الأسيرة للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية داخل الأسر، ومقاربا للإضراب الذي خاضه مقاتلون من الجيش الجمهوري الإيرلندي السري عام 1981 بعدما تم إعتقالهم في سجن "ميز" والذي توفي إثره عشرة قتلى من المضربين كان آخرهم السجين بوبي ساندس بعد ستة وستين يوما من بداية إضرابه عن الطعام. ماذا فعلت سلطتنا التي لا زالت تفاوض في عمان وتقرع طبول الإستسلام؟ ألا تكفي هذه الأمعاء الخاوية لقيام ثورة وانتفاضة ضد الظلم الصهيوني أم أننا نحتاج لبوعزيزي آخر يحرق نفسه في وجه صمتنا علنا نجد صحوتنا التي أضعناها مذ شتتنا معالم قضيتنا وصرنا نرقب النشرة النفسية لأسير يموت أمام أعيننا، ندعو له، نكتب عنه، وقد تفيض شهامتنا فنشارك في مظاهرة سلمية كل من فيها يُعدون على الأصابع، ومن ثم نعود لممارسة حياة نعتقد من باب " تمشاية الحال " أنها طبيعية. لقد مات مليون بوعزيزي فلسطيني رافضا الذل بين شهيد وجريح وأسير لا زال يُمارس الموت على قيد الأمل في صحوة شعبه التي تأخرت، فلا تجعلوا من مرض الشيخ عدنان شرارة لثورة أشك أنكم ستأخذون مبادرتها، بل إجعلوا من صموده وقودا لتمرد آن آوانه . كل قضية كانت بالأساس فكرة في الذهن تحولت لمبدأ ومن ثم ناضلت الأمة لأجلها، وقضية إضراب الأسير خضر عدنان هي فكرة سامية رافضة للإعتقال الإداري التعسفي، لا يجوز ولا يحق لنا أن نُبقيها منفردة تحقق ذاتها في الوقت الذي يهتف بها ليضم معاناة كل أبناء شعبنا، صرتُ أخجل أن أقدم الكلمات للأسرى وأنا أملك الروح وشيئا من الحرية، بِتُ أحرض كلماتي لتثور على نفسي وعلى قارئيها وتشعل نارا أخمدها أبو لهب وبقينا نحن رمادا نكوي فقط أنفسنا. معذرة أيها الشيخ، معذرة يا أسرى الحرية، فالأعادي كما قال أحمد مطر "يتسلون بتطويع السكين وتطبيع الميادين، وسلاطين بلادي يتسلون بتضييع الملايين وتجويع المساكين وتقطيع الأيادي، ويفوزون إذا ما أخطئوا الحكم بأجر الإجتهاد، عجبا ! كيف إكتشفوا آية القطع ولم يكتشفوا آية واحدة من كل آيات الجهاد !"، إنني أعلم جيدا أن المبدأ لا يموت، إنهُ فقط يُستثنى من عقول البعض طوعا أو غصبا لا فرق، وبحجة متطلبات المرحلة القذرة يُهمل ويصدأ، وها نحن نشتم رائحة الصدأ تنبعث من مبادئنا التي زُجَ دفاعا عنها الآف الأسرى في السجون، وباتوا يستجدون منا قليلا من الحرص عليها كي نعلم الطريق لحريتهم، تلك الطريق التي لا تأتي إلا بالثورة لنصرة الفكرة " فكرة الدين والوطن والثوابت ".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.