23.19°القدس
22.68°رام الله
24.42°الخليل
26.65°غزة
23.19° القدس
رام الله22.68°
الخليل24.42°
غزة26.65°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: لماذا كل هذه الكراهية والعداء بين المسلمين وأمريكا؟

11
11
أحمد يوسف

كلما جاء سبتمبر كانت لنا معه - نحن أهل فلسطين - ذكريات، أما أمريكا فلها مأساتها الكبرى التي لا تنسى، وهي تلك الأحداث التي وقعت في الحادي عشر من ذلك الشهر في عام 2001م، والتي كانت بالنسبة لهم كارثة وطنية ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف من مواطنيها، وزلزلت تداعياتها أركان السياسية والأمن في العالم، وتحولت علاقات الدول وارتباطاتها قائمة على جدلية ما يسمى "الإسلام والإرهاب"!! والسؤال الذي نطرحه من جانبنا لماذا أمريكا هي ساحة مفتوحة للعداء معنا؟ لماذا دائماً تصطف إلى جانب إسرائيل، وتتخذ في هذا الشهر من كل عام مواقف تستفز مشاعرنا، وتنفر كل المسلمين منها، ومن سياساتها التي تجلب العداء والكراهية لها، وتجعل سؤال مواطنيها: "لماذا يكرهوننا؟!" مستغرباً، ولا معنى له من الإعراب.

تفجير البرجين: بدايات الغضب الإسلامي 

لا شك أن مهاجمة البرجين التوأم (WTC) في حي منهاتن بمدينة نيويورك في الحادي عشر من  سبتمبر 2001م من قبل تنظيم القاعدة وتدميرهما، كان حدثاً هزَّ العالم، وأحدث انقلاباً في السياسة الأمريكية، كما فتح المجال لتساؤلات لم تتوقف عن إمكانيات التيارات الإسلامية الجهادية ودوافعها وراء توجيه ضرباتها لحواضر الدول الغربية، وكذلك استهداف مصالحها الحيوية في العالمين العربي والإسلامي.

كما أن سؤال: "لماذا يكرهوننا؟!"، والذي طرحه الشارع الأمريكي بعد صحوته من المشهد الكارثي لانهيار البرجين، ورؤية آلاف الأشخاص الذين تطايرت أجسادهم وتحولت إلى رماد تحت الأنقاض، ما زال قائماً دون جواب.

فالأمريكي لم يدر بخلده أن هناك في العالمين العربي والإسلامي من يناصبه كل هذا العداء ويكرهه إلى هذا الحد، وخاصة باعتبار أن الولايات المتحدة لم تستعمر هذه المنطقة، بل كانت أحد القوى التي أسهمت في تحرير واستقلال العديد من بلدانها.

لا شك أن من بين أسباب استشراء العداء والتي يبدو أن الأمريكان لم يدركوا أبعاده بعد، هو هذا الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي اللامحدود لإسرائيل؛ هذه الدولة المارقة التي تمارس كل مظاهر الظلم والعدوان بحق الشعب الفلسطيني، والذي تظهر تجلياته بالاستخدام المتكرر للفيتو لقطع الطريق أمام المنظمة الدولية من اتخاذ أية قرارات تدين الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، وتفضح انتهاكاته المتكررة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهي فظائع ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب وجرائم بحق الانسانية، لم تتوقف إسرائيل عن ارتكابها منذ إعلان دولتها المارقة في مايو 1948.

لقد كرّست الولايات المتحدة بسياساتها المنحازة لدولة الاحتلال غُصَّةً وأحقاداً في قلوب العرب والمسلمين، عمّقت حالة العداء والكراهية لها، وعاظمت من الرغبة في الانتقام منها.

قد يكون مشهد الظلم الذي لحق بالفلسطينيين وكانت أمريكا وسياساتها بالمنطقة مسئولة عنه هو أحد الدوافع الذي حرّكت بعض من قاموا بتوجيه هذه الضربات الموجعة لها في نيويورك وواشنطن ولحلفائها في لندن ومدريد.

ولكن هناك أيضاً أسباب أخرى يمكن الاشارة إليها من خلال ما توفر من معلومات وحقائق عن نشأة تنظيم القاعدة والخلفيات الفكرية لبعض قيادته والتي يمكننا استعراضها في نقطتين هامتين، هما:

1) استراتيجية أيمن الظواهري في التخلص من الدكتاتوريات العربية من خلال توجيه ضربة موجعة لأمريكا تدفعها للدخول إلى المنطقة على شكل قوة استعمارية تُنهي واقع الاستبداد القائم فيها، ثم يدخل الإسلاميون في مواجهة مسلحة معها تجبرها لمغادرة المنطقة بعد حين، وتكون قوى الإسلام السياسي هي الوريث المرتقب لها.

هذه الرواية سمعتها من أحد الأصدقاء في واشنطن والذي التقى الظواهري في أفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث عرض الظواهري رؤيته والتي مفادها: إننا كإسلاميين لم يعد بمقدورنا مغالبة سطوة الحاكم المستبد وأجهزته القمعية، حيث عملت هذه الأنظمة الدكتاتورية على عسكرة الحياة السياسية واحتكارها ولم يعد بالإمكان تحقيق التغيير لا عبر صناديق الاقتراع ولا بالمواجهة المسلحة.

أما الباعث الثالث للانتقام - وبهذه القسوة المفرطة - فهو خيانة الأمريكان للعهد مع هؤلاء المجاهدين العرب، الذين قاتلوا السوفييت الى جانب اخوانهم الافغان.. فبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وخرج الجيش الأحمر مهزوماً مدحوراً في نهاية الثمانينيات من أفغانستان، ثم كان سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك منظومته الاشتراكية – الفكرية والعسكرية - لحساب المعسكر الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة في مطلع التسعينيات، مؤذناً بنهاية الحرب الباردة وانتصار الديمقراطية الغربية وتصدّر أمريكا لموقع القوة الأعظم في العالم.. للأسف تنكرت أمريكا لهؤلاء المجاهدين ووشت بهم لدى عودتهم لبلدانهم، فتم اعتقال الكثير منهم وهرب البعض منهم، حيث وجدوا الأمان مرة أخرى في حضن طالبان.

لقد شعر هؤلاء الشباب بأن أمريكا مارست معهم "الخيانة العظمى" ولم تحفظ لهم الجميل بعد أن ضحى الألاف منهم بحياتهم في سبيل تحقيق هذا الانتصار الكبير على السوفييت، والذي لولاه لظلت الحرب الباردة مستعرة لا ينطفئ لها لهيب. 

إن الرغبة في الانتقام كانت جامحة لدى هؤلاء الشباب، حيث أرادوا كسر هيبة أمريكا وتمريغ أنفها في التراب، ورد الصاع صاعين.

لقد تسنى لي في عام 1997م الاطّلاع على رسالة كتبها رمزي يوسف من داخل سجنه في نيويورك، وهو المتهم الأول بمحاولة تفجير برج التجارة العالمي عام 1993م، حيث أشار فيها إلى دوافعه وراء قيامه بمحاولته - التي لم تكلل بالنجاح - لتفجير البرجين، والتي هي في مجملها لم تخرج عن سياق ما ذكرناه، وتعكس حجم الرغبة في الانتقام حتى لو كانت الضحايا بالآلاف.

جورج بوش: الحرب على الإرهاب

ثمان سنوات أطلق فيها الرئيس جورج بوش حربه على الإسلام بذريعة "الحرب على الارهاب" الذي تقوده القاعدة, ولكنها كانت في عجافتها مضيعة للجهد والمال وتكريس المزيد من العداء والكراهية مع العالمين العربي والإسلامي.. جاء بعده باراك أوباما معلناً من القاهرة رغبته بالمصالحة مع الاسلام والإسلاميين، استبشر العالم كله خيراً بهذه التوجهات لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة وكافأه المجتمع الانساني بأن منحه جائزة نوبل للسلام حتى قبل أن يرى ثمرة هذه التوجهات على الأرض..!! لم تمضِ سنة واحدة على هذا الكلام المعسول حتى عادت السياسة الأمريكية إلى سابق عهدها؛ التغطية على جرائم إسرائيل، والدفاع عن الدكتاتوريات، والتراجع عن خططها في سحب قواتها من العراق وأفغانستان.

إن أمريكا – للأسف – قد تسلط عليها الصهاينة وجرّدوها من أية مصداقية، ومواقفها في مجلس الأمن لا يمكن تبريرها؛ فهي منحازة بالكلية لإسرائيل وضد مصالح الأمة العربية والإسلامية، وقد رأى العالم تلك المشاهد المخزية لأعضاء الكونجرس الأمريكي وهم يصفقون لنتنياهو الذي وقف خطيباً فيهم، وقدم لغة أقل ما يقال فيها أنها تشكل خروجاً على كل القيم والأعراف والمواثيق والشرائع الدولية.  

إن الإدارة الأمريكية وفي الذكرى الثالثة عشر لأحداث 11 سبتمبر ما تزال على سياساتها القديمة، ويبدو أنها لم تتعلم الدرس، ولا يظهر أن الشعب الأمريكي وجد من يشفي غليله، ويجيبه على سؤاله الملح: "لماذا يكرهوننا.؟!".

وبالرغم من سهولة الجواب، فإن صانع القرار الأمريكي ما زال يزيّف الإجابة ولم يقدم لشعبه كلمة الصدق وفصل الخطاب.

ومع الأحداث التي عاشتها المنطقة مع حركة النهوض العربي مطلع عام 2011م، فإن السياسة الأمريكية كان يُنتظر منها أن تشهد تغييراً على مستوى ما يجري من ثورات وحراك شعبي، حيث تصبح حسابات الأنظمة تجاه نبض الشعوب ومتطلباتها السياسية والقيمية أكثر واقعية وتقدير، وهذا يعني أن ما كان قائماً قبل بزوغ فجر الشرق لم يعد مقبولاً بعد سطوع شمس الجماهير، وانهيار عروش بعض الطغاة الظالمين.. إن مصالح أمريكا في المنطقة، ومع بقاء سياساتها على نفس الوتيرة من التآمر والانحطاط، لن تكون آمنة، ولن تجد من يقدم لها الضمانات، ويمنحها الاطمئنان على سلامة مصالحها الحيوية بالمنطقة، خاصة إذا ما استمرت تعلب دور "القبة الحديدية"، التي تحمي إسرائيل، وتغطي على جرائمها وانتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. 

استحقاق سبتمبر: محطة اختبار

في الثالث والعشرين من سبتمبر 2011م، ذهب الفلسطينيون للجمعية العامة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كعضو كامل العضوية في مجلس الأمن، وللأسف اعترضت أمريكا على ذلك، فيما صوت إيجابياً على القرار معظم دول العالم، وقبل أيام تمَّ التصويت على رفع العلم الفلسطيني على مبنى الأمم المتحدة، وكالعادة صوتت أمريكا وبعض الدول الهامشية ضد القرار.!! السؤال الذي يطرح نفسه دائماً: لماذا تحشر أمريكا نفسها بتصدّر الاعتراض على أيِّ توجه إيجابي للفلسطينيين باتجاه المجتمع الدولي بهدف استعادة الحقوق وحماية الثوابت؟! وبالمناسبة، فقد حظي ذلك التوجه الأخير بموافقة 120 دولة، تقدمت جميعها بالاصطفاف خلف حصول الفلسطينيين على هذا الحق.

إذا أراد الشعب الأمريكي جواباً حقيقياً وصريحاً على سؤاله المزمن "لماذا يكرهوننا؟!" فعليه أن يراقب مواقف حكومته في الأمم المتحدة تجاه قضايا العرب والمسلمين، وخاصة القضية الفلسطينية، التي تعتبر هي القضية المركزية للأمة.

أمريكا وبسبب محاباتها لإسرائيل، فقدت قيادتها للعالم، وأصبحت عنواناً لمظلوميات الشعوب والأمم في منطقة الشرق الأوسط، وما يجري اليوم من صراعات وحروب تستنزف ثروات المنطقة وكرامة الأمتين العربية والإسلامية إنما هو من صنيع أمريكا وأفعالها التآمرية. لذلك، فإن الجواب على سؤال الأمريكيين "لماذا يكرهوننا؟" إنما هو تحت عهدة الرئيس باراك أوباما ورجالاته في وزارتي الخارجية والدفاع.