22.78°القدس
22.48°رام الله
21.64°الخليل
25.94°غزة
22.78° القدس
رام الله22.48°
الخليل21.64°
غزة25.94°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

خبر: الحجة بركة زارتنا يا ستي!

44
44
ديمة طهبوب

كان طولي ربما لا يجاوز أشبارا معدودة بعد أو"نص نصيص" كما يقولون في الوصف الشعبي، ولكني كنت أحب استقبال وتوديع الضيوف مع جدتي التي أمضيت معها طفولتي وأمي تطبب الناس في المستشفى، كانت جدتي كلما ودعت امرأة على الباب قالت: زارتنا البركة! فأتطلع باستغراب اليها وكنت أظنها خربشت في الاسم فالسيدة لم يكن اسمها بركة!
وراجعت جدتي بعد ان طولت أشبارا اضافية لماذا كل النساء اسمهن عندها بركة فضحكت وقبلتني ولم تجب! أظنها فكرت اني ما زلت صغيرة على استيعاب العادات الترحيبية او معنى البركة او كليهما!
طولت أشبارا أخرى وأنا انتظر زيارة الحاجة بركة حقيقة، ولكني اقتنعت ان الحاجة بركة قد قاطعتنا في بيتنا وبيت جدتي ولن تأتي!
عندما أكملت الأشبار المقدورة لي في الطول علمت ان البركة مفهوم مادي ومعنوي وهو بالمجمل الزيادة والنماء وثبوت الخير الالهي في الشيء، الله يبسطها وحده أو يقبضها، قد تأتي على شكل انسان "وجعلني مباركا" وعلى شكل أرض "الذي باركنا حوله" و"بارك فيها وقدر فيها أقواتها" وعلى شكل رزق مادي" لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" وقد تكون بركة معنوية كما جاء في الحديث «كنا نُؤْمَرُ أن نَخرُجَ يومَ العيدِ, حتى نُخْرِجَ الْبِكرَ مِن خِدرِها, حتى نُخرجَ الْحيّضَ فيَكنّ خلفَ الناسِ فيُكبّرْنَ بتكبيرِهم ويَدْعونَ بدُعائهم, يَرجونَ بَرَكةَ ذلكَ الْيَومِ وَطُهرَتَهُ».
عرفت هذه المعاني كلها ولكن بقي هاجس الطفولة يراودني ان الحجة بركة بكل هذه المعاني ستزورنا شخصيا يوما ما! تأخرت الحجة بركة علينا كثيرا ولكنها جاءتني على أبواب الأربعين ربما حتى يكتمل طول أشباري العقلية والقلبية!
"أنا قادمة الى الأردن" واستشعرت معنى آخر في مثل كانت ترويه جدتي عن طاقة القدر التي تفتح لسعداء الحظ، ولكنها ليست ليلة القدر فكيف تُفتح الطاقة؟!، ولكن ليلة قدرك تتجلى ايضا عندما تفهم قدر الله فيك وكيف ساقك او استخدمك وكرمك لتكون أداة في تحقيق قدره.
سأقف على الباب والشباك وكل المنافذ لأقول ذات عبارة جدتي التي اثقلت صدري دون تحقق ولكنها الان تحققت وسأقول بحق: زارتنا البركة.
هذه البركة لبست ثوب امرأة تمثلت فكرة مباركة، اسمها ذو دلالة وتاريخ، فالخديجة الأولى صمدت للدعوة صمود الأبطال وباعت كل شيء لأجلها ونزعت ثوب الدعة والرخاء، ولبست ثوب "قم فأنذر" وما خلعته الا أن فاضت روحها المتعبة فكان لا بد ان تكون البشرى الالهية ببيت لا نصب فيه، ذهب التعب والجهد وعظمت الأجور بأمر الله، غابت خديجة بالجسد وما غابت الروح ولا خديجة الفكرة ونموذج الانسان، فكان لا بد لمحمد ان يعود الى قبرها يوم الفتح وينصب الراية ويخبرها بالنصر والفتح كما كانت اول من أخبرها بالوحي، أما الخديجة من ثلة الآخرين فربطت نفسها، كأمها، بقضيتها طواعية وتوفيقا واختيارا وعزما، حاصروها في شعب جديد ليبعدوها عن الاقصى فافترشت الأرض عند أقرب نقطة لا يزحزها مطر ولا برد ولا غبار ولا أذى ولا إبعاد ولا اعتقال!
هذه الخديجة أكرمتنا بالزيارة فرأيت الأقصى فيها، فالانسان، إن صدق، يصبح قضية وقرآنا وأقصى يمشي على الأرض، أحببتها لذاتها ام أحببت الأقصى، فيها فلسفة لم أتعب نفسي بها، فخديجة والاقصى توأمان لا انفصال بينهما! راقبتها لاعرف سر الاصطفاء وكيف يصبح اسم امرأة ملازما لقبلة مقدسة ومسجد مبارك وعبادة عظيمة هي الرباط والجهاد فإذا ذكرت هذه كان اسمها من السباقين!
الإيمان والعزم والتجرد والاخلاص أربعة اعرفها من متابعة مواقفها وكلامها كانت الإجابة عن التساؤلات ومفاتيح فهم الشخصية، ثم حبة مسك وغلالة قبول يلقيها الله على المصطفين من عباده تبارك في روحهم وأنفاسهم وجهدهم وجهادهم فتصير خديجة، التي ربما تعدل وزن ابن مسعود ودقته، امرأة بأمة يخشاها أعتى الجيوش بسلاح التكبير! هذه البركة التي فهمتها ورأيتها فطالت بها أشبار مخي وان ظل طول جسمي على حاله أظن أن بقية المرابطات يشاركنها فيها، فنتائج المواقف والوقفات دلائل صلاح الزُرّاع.
ولولا خوف الدروشة لفعلت مثلما يفعل بعض اخواننا من شرق آسيا عندما يرون شخصا قادما من أرض البركة فيتمسحون به، ولكني ألتمس بركة الصحبة والمحبة ومحاولة الاقتداء وشفاعة الصالحين والمرابطين.
ستفتقدك أرض بيتنا حيث صليت وسجدت، ستفتقدك أشعة كانت تتسلل من النافذة لتنير وتشهد مجلس ذكرك حتى طلوع الشمس، ستفتقدك خطوات سريعة متتابعة سرناها معا دون كلل او ملل منك لتبلّغي عن الاقصى والمرابطين، سنفتقد البركة التي غمرتنا في شخص امرأة اسمها المرابطة خديجة خويص!
جدتي اليوم في عقدها التاسع ولكني عزمتها عندما زارتنا المرابطة المقدسية خديجة خويص ولما سأودعها سأقف بجانب جدتي لأقول: يا ستي: وأخيرا زارتنا البركة.. وأي بركة!