راح خربوش يداري وجهه خجلا من الناس، كان ولده شحبور قد تم ضبطه في إحدى السرقات! شحبور الصغير لا يمكن أن يفعل ذلك، لا بد أن هناك مؤامرة ما لتشويه صورته وصورة ولده. اجتمع بالمحامي وقال له: إني أرصد نصف مليون دينار لتبرئة ولدي، فافعل ما تشاء حتى نصل إلى تلك البراءة، وإني أقسم على معاقبة كل من سولت له نفسه بضبط ولدي ومحاسبته، هذا قسمي وسيرى الناس مدى استطاعتي وحجم قدرتي. انطلق المحامي في اتخاذ الإجراءات اللازمة، كانت الخطوة الأولى هي الضغط على أصحاب البيت المسروق للتنازل عن شكواهم، راحت وفود الجاهات تتوالى على أولئك الناس، كانت المحاولات الأولى صعبة، لأن السرقة رافقها عنف شديد أوشك أن يبطش بالابن الوحيد لصاحب البيت المسروق، مارس المحامي إغراءاته المالية بطريقة خفية، تنازل الناس عن حقهم الذاتي دون التفريط بالحق العام! لم تنقض أيام حتى تم الإفراج عن شحبور بورقة المصالحة وكفالة مالية ضخمة انتظارا لكلمة المحكمة! لم يكن المجال متاحا بشكل كبير للاحتفال الصاخب ببراءة شحبور! كان لا بد من تفكيك الأزمة، لم يقصّر المحامي في دراسة القضية والبحث عن ثغراتها. اكتشف الرجل من خلال ملابسات الحادث أن شحبور تم ضبطه متلبسا في ساعة الظهيرة وهو يخرج من البيت مع زميله يحملان حقيبتين من مقدرات البيت الثمينة، لسوء حظهما كان الابن الوحيد لصاحب البيت قد أصيب بصداع شديد في أثناء العمل، فمنحه طبيب المؤسسة التي يعمل بها إجازة مرضية بعد أن حقنه ببعض المسكنات، التقى الابن باللصين في منتصف الدرج، وهما يهبطان خفية، فاشتبك معهما، ونادى على الجيران، كان المشهد مثيرا للجيران وهم يشاهدون شحبور وصاحبه قد وقعا في المصيدة، كان اثنان ممن حضروا من أصحاب العمل الصباحي، وثلاثة من العمال الذين فقدوا فرص عملهم بسبب الظروف السياسية الصعبة، أحكم الحضور القبض على اللصين، حتى حضرت سيارة الشرطة التي اتصل بها صاحب البيت. كانت القضية شائكة، لأن التلبس حادث، ولأن الشهود كثر، ولأن شحبور اعترف من أول لحظة! لكن المحامي لم ييأس، وقد راهن على الزمن، وعلى معارف خربوش، وعلى ميزانيته الضخمة المخصصة للبراءة. قال المحامي للسيد خربوش في زيارته الأخيرة له: - القضية شائكة حسب رؤية الناس! - وما رؤيتك؟! - القضية سهلة! - كيف؟! - الشهود الخمسة مطعون فيهم، أحدهم كان جده على خصام مع جدك قبل خمسين سنة، والثاني بصره ضعيف، والثالث له قضية عالقة في المحكمة منذ عام، والرابع فقير مشتبه بارتزاقه من شهادة الزور، والخامس ما زلت أدرس كيف نطعن في شهادته! - وابن صاحب البيت؟! - موتور، سأحضر شهودا يثبتون أنه على خلاف كبير معك في الصفقة التجارية الأخيرة، وشهودا يثبتون أن والده قد شتمك أمام جمع كبير من الناس قبل خمسة أعوام! - كم شاهد ستحضر؟ - إجمالي شهودي خمسون، فشهادتهم لها عشرة أمثال! - ومحضر الشرطة؟ ومسألة التلبس؟ - لا يوجد أمر من النائب العام بالقبض عليه! - تقصد وجود خلل في الإجراءات! - وهناك خلل آخر: أحضرت شهادة ميلاد جديدة تثبت أن شحبور ما زال صغيرا، وأن الأصل هو وضعه في الإصلاحية لا تركه طوال فترة اعتقاله في سجون الكبار! - وأي الحجج القانونية أقوى في اعتقادك؟! - الخطوة الأولى إخراجه من السجن، وقد تم ذلك، والخطوة الثانية إثبات الخطأ في الإجراءات، ويمكنك حينها أن تذبح خمسة عجول، وتقيم فرحا كبيرا فيفهم الناس أن ولدك بريء... - لكن الموضوع بتلك الحالة ليس براءة نهائية، فخلل الإجراءات لا ينفي السرقة التي صارت ثابتة في أذهان الناس! - الناس سرعان ما ينسون، والزمن كفيل بذلك، وتعدد الروايات يتركهم حيارى، وروايتك المنفق عليها تبقى أكثر ثباتا في نفوس الناس، والمطلوب أن يختفي شحبور عن عيونهم لفترة، ويعود بعد ذلك بصورة دراماتيكية على ظهر إنجاز كبير ينسب إليه أو منصب عظيم يتسنمه! - والشهود؟!!!!! - يقعون في شر أعمالهم!!!!! - يعني؟!!!!! - يحرم المتبطلون من فرص العمل المتاحة لهم، وينقل العاملون إلى مواقع أخرى بعيدة، ويمنعون من الترقية لأنهم تجرؤوا على الإساءة لبريء!!!!! - أتستطيع فعل ذلك كله؟!!!!! - لن تخسر التجربة!!!!! سر على بركة الله، والله معك ومع شحبور!!!!!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.