10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
16.33°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة16.33°
الأحد 01 ديسمبر 2024
4.63جنيه إسترليني
5.12دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.84يورو
3.63دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.63
دينار أردني5.12
جنيه مصري0.07
يورو3.84
دولار أمريكي3.63

خبر: الذين خرجوا من القمقم

يوم أمس (الأحد 12 فبراير) كان من بين عناوين الصحف المصرية ما يلي: مؤتمر بورسعيد يحمل المشير مسئولية الحادثة -البرلمان يستجوب المشير وحكومته -15 استجوابا و28 طلب إحاطة أمام مجلس الشعب ــ رئيس التشريعية يستجوب وزير البترول في تصدير الغاز لإسرائيل ــ الإضراب العام نجح بنسبة 60٪ ــ 12 حركة احتجاجية شاركت في إضرابات الإسكندرية و56 مدرسة قررت الإضراب في الصعيد ــ موظفو المعامل المركزية بوزارة الصحة قرروا إضرابا من الخميس إلى الخميس و500 شخص وقعوا على عريضة طالبت بعزل رئيس الرقابة ــ تلاميذ كوليدج دى لاسال طالبوا بالإسراع برحيل العسكر ــ 100 من أساتذة جامعة عين شمس وقعوا بيانا طالبوا فيه بإنهاء الحكم العسكري وأيدوا العصيان المدني ــ في أزمة البوتاجاز: المواطنون يقطعون الطريق والباعة يقتحمون سيارات الأنابيب ــ السكة الحديد والمترو يعملان بصورة طبيعية وانتشار مكثف للشرطة لمنع إيقاف القطارات ــ 4 قطاعات في الزراعة تبدأ إضرابها ضد الفساد... إلخ. إلى جانب هذه العينة، فهناك سيل من العناوين الأخرى التي تعلقت بموضوع الإضراب العام في ذكرى تنحى الرئيس السابق، لكن ما استوقفني في العناوين سابقة الذكر أنها ترسم وجها لمصر لم يكن مألوفا منذ أكثر من نصف قرن. إذ نرى في هذا الوجه أن ثقافة الاحتجاج والجرأة على التعبير من القسمات المهمة فيه. فالمشير وحكومته مستدعون للمساءلة أمام مجلس الشعب، وتلاميذ المدارس خرجوا مطالبين بانتهاء حكم العسكر، وأساتذة الجامعات يتبنون نفس المطالب في بيان لهم والمواطنون يقطعون الطريق العام احتجاجا على النقص في أنابيب البوتاجاز وموظفو وزارة الصحة يطالبون بعزل رئيس الرقابة الدوائية... إلخ. هذه الممارسات يمكن أن تقرأ بحسبانها من مؤشرات الانفلات والفوضى في البلد، ويمكن أن تقرأ من الزاوية التي أشرت إليها توا. ورغم أنني لا أقر الاحتجاجات التي تضر بمصالح الآخرين، مثل قطع الطرق، وتعطيل القطارات، إلا أنني لا أستطيع أن أتجاهل البعد الإيجابي في فكرة شيوع ثقافة الاحتجاج والغضب. لو أن أحدا هبط إلى مصر الآن لما صَّدق ما يقرؤه أو يسمعه. ذلك أن ثمة انطباعا عاما ما برح يشكك في جرأة المصريين على الغضب وينتقد مسالمتهم للحكام وامتثالهم لسلطانه وجبروته، وقد كنت واحدا ممن انتقدوا طول بال المصريين حتى قلت ذات مرة -قبل الثورة- إن كلمة الغضب سقطت من قاموس حياتهم. لكن أجواء ما بعد الثورة أخرجت من أعماق المصريين كل مخزون الغضب المتراكم عبر السنين التي خلت. حتى يخيل إليَّ أن المصري الحقيقي خرج من القمقم الذي كان محبوسا فيه، وما عاد ممكنا أن يعود إليه مرة أخرى. إنني أقرأ في صحف هذه الأيام تعليقات لبعض المثقفين والناشطين تنعى إلينا أن الثورة لم تحقق أهدافها، وأنها سرقت من أصحابها، في حين أن العناوين التي ظهرت في مناسبة مرور سنة على سقوط نظام مبارك وتنحيه تقول إن ممارسة الحرية في مصر أصبحت بغير حدود، وأنه ما عاد ممكنا أن يفرض أحد رأيه على الآخر، وما عاد هناك مقام فوق النقد أو محصن ضد المساءلة، لا يختلف في ذلك تلاميذ المدارس عن أساتذة الجامعات. صحيح أن أهدافا أخرى للثورة (العدالة الاجتماعية مثلا) لم تتحقق لأسباب مفهومة، حيث لا يتوقع أحد في بلد ظل يتعرض للنهب طيلة ثلاثين عاما على الأقل، أن يحقق العدالة الاجتماعية لـ85 مليون نسمة في عام أو في خمس سنوات. إنما غاية ما يمكن أن نطالب به أن تخدم السياسات هذا الاتجاه في نهاية المطاف. أما سرقة الثورة فهي شعار آخر يحتاج إلى مناقشة، فأنا أفهم أن يتهم العسكر بسرقتها إذا كانوا قد استأثروا بالسلطة وركنوا إليها. ولكننا نعلم الآن أنهم ملتزمون بتسليم السلطة في 30 يونيو المقبل، وترى أن انتخاب مجلس الشعب قد سلب المجلس العسكري سلطة التشريع، ولم يعد له سوى مباشرة حقه الدستوري في إدارة السلطة التنفيذية رغم أن ذلك لا ينفي وقوعه في أخطاء جسيمة أثناء إدارته للبلد. هناك احتمال آخر في تفسير شعار سرقة الثورة، وهو أن يكون الذين تم انتخابهم لمجلس الشعب من غير المرضي عنهم من جانب بعض المتحدثين، أو من الذين فشلوا في الحصول على أصوات الناس في الانتخابات، ومن ثم اعتبروا أن غيابهم عن المشهد، وهم الوكلاء الحصريون للثورة، يعني أنها سرقت منهم وحصد ثمارها غيرهم. ربما كان ممكنا أن نطالب البعض بأن يخلعوا النظارات السوداء التي يطلون بها على المشهد، ولكن المشكلة تصبح أكثر استعصاء إذا كانت الآراء تتحكم فيها المرارات الكامنة في الأعماق والبغض المسكون في القلوب.