18.82°القدس
18.5°رام الله
17.19°الخليل
23.84°غزة
18.82° القدس
رام الله18.5°
الخليل17.19°
غزة23.84°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

أنت من الأولين

ديمة طهبوب
ديمة طهبوب
ديمة طهبوب

لطالما شاركتُ الصحابية أسماء بنت يزيد تلك الحرقة على مكانة المرأة التي شكتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ترى افضلية ظاهرية للرجال في كل مواطن العز والتضحية مع انه بُعث بدين الاسلام للرجال والنساء على حد سواء الى أن أفهمها طبيعة الادوار والتشاركية التامة في الأجر. ولقد كان بالامكان الامتعاض ان يتجدد في العصر الحالي لولا ظهور أمثلة نسائية أحسنت فهم مقاصد النزول والتنزيل القرآني وتراكمية تجربة النساء في السيرة وعصور الخلافة.

ومن هذه الامثلة الساطعة المرابطات في الأقصى اللواتي وصلن الحاضر بالماضي المجيد وقدمن نموذجا متفوقا التحم بالعصور الزاهرة فلم تعد أم عمارة ولا ام حرام ولا اسماء ولا خولة ولا سمية مجرد صفحات انقضت وانما عادت ارواحهن وادوارهن لتحيا في أجساد معاصرة تثبت ان الشهداء لا يموتون ابدا بل يبقون آية حية متجددة في كل عصر توجد به خامة بشرية قابلة للتشكل في قوالب العظماء.
ان النموذج لا يمكن ان يصنع دون فهم فالقدوات لا تنبت نبتا فجائيا وليست هوائية دون جذور وانما تصنع على عين الله في محطات تزكية وتمحيص حتى اذا اكتمل الاعداد جاءت لحظة اطلاق البطل والبطلة في مواقف امتحان لكل ما سبق.

لقد أنزل الله آية عظيمة في القرآن لاصحاب وصاحبات الفهم وهي «وليس الذكر كالأنثى»، والغريب ان عصور الانحطاط الفكري للمسلمين كانت تسوقها في معرض تفضيل الذكر وضعف الانثى، بينما غُيّب المعنى الأهم فما يلحق بحرف التشبيه وهو في هذه الحالة الانثى هو الذي يعطي المكانة والتميز والثناء ويعضد ذلك تفسير الزمخشري للاية اذ يقول: والله يقول لامرأة عمران ان الأنثى التي وُهبت لك خير من الذكر الذي طلبت، وهبة الله لا تكون الا في موقع الرفعة والتفضيل وحسن النعمة وكمال الأداء، والله سبحانه لم يكرم بهذا مريم ابنة عمران فقط بل كانت الرسالة لحفيداتها وللأمة جميعا أن سيكون للنساء في هذا المكان خصوصا بصمة ودور ستفضل فيه الرجال، ولن يغني الرجال عن دورها وقد تحقق ذلك قديما، فكانت مريم الأم بوابة الانطلاق للمعجزة عيسى عليه السلام فما كان له ان يقوم بدورها، ولا ان تقوم هي بدوره وانما تكامل لا تنافس وشقائقية لا شقاق، وحديثا أخذت المرابطات في القدس والمجاهدات في فلسطين ذات الدور في اطلاق زخم المقاومة والتضحية فلولا الانوثة واستهداف الانوثة والشرف والعرض وما يولد ذلك من همة ونخوة وغضبة في نفوس الرجال الرجال لما كان هذا التصاعد المستمر والعزيمة واعادة الانبثاق من بعد خذلان والانتفاضة من بعد سبات، فاستهداف الشرف والعرض في ذلك المكان المبارك المقدس تحديدا كان وسيكون وسيظل له من الاثر والاشتعال والوقود ما لن يكون لو استهدف جمعا من الرجال، فاصابة الرجال في هذا عظيمة وثأرهم لعرضهم لا يهدأ وهم ينزلون الشريفات العظيمات منازل محارمهن وتلك الاسئلة تقرع اذهانهم كانفجار القنبلة: أترضاه لأمك، أترضاه لزوجك، أترضاه لأختك فينطلق الشريف ليجيب بدمه لا بلسانه! لولا النساء وهذه الافضلية الربانية أكان الرد ليكون بذات العنفوان؟! نعم صدق الله «وليس الذكر كالأنثى»

ثم يأتي جهلة يمرقون من الدين كما يمرق السهم ويقولون بقول الدين ويسوقون الأدلة بلا فهم ليتشدقوا: أعيدوا النساء الى منازلهن حتى لا يمس شرفنا وكأن المعتدي يفرق بين شارع مفتوح او بوابة مسجد او فناء منزل مغلق ولا ينتهك الخاص قبل العام؟! لقد جاءت السيرة لتعالج هذه الجزئية ايضا وتزيل الحرج في قصة استشهاد سمية فجاء الوصف الدقيق لطريقة استشهادها وقد استهدفت في مكان عفتها ومع ذلك صبرها الرسول وبشرها ولم تأخذ بالرخصة كابنها وكأن في الأمر رسالة ان هذا النوع من الاستهداف للنساء سيحصل ولكن لا يجب ان يثنيهن عن الجهاد والمقاومة، فالشرف هو الدين ورايته ورسالته وقتال الاعداء والصمود لهم، والله هو الذي يرفع الذكر ويبيض الصفحات.

وانسحب التقدير والاعلاء على دور ام عمارة في أحد والرسول يمدحها قائلا «ما التفت يمنة ولا يسرة الا ورأيتها تقاتل دوني» رأها أصيلة في الميدان لا بديلة، رأى لها قصب السبق لا دور الاحتياط، مدح نموذجها وحدها لا مقارنة مع الرجال، وكذلك أم حرام مجاهدة البحر خرجت من عكا وفي أُذنها تتردد عبارة رسول الله وهو يقول لها أنت من الأولين، فهل كان مكان الأولين لأم حرام وحدها أم لكل من تسير بسيرها وبذا يكون الإحياء الحقيقي والمعايشة الواقعية لسيرة الرسول وصحبه.

وحتى في الأدوار الاسنادية فما من ميدان الا وقدم الدين المرأة فروت الحديث الأشهر في الامداد امرأة هي ميمونة بنت سعد عن رسول الله ليس بينها وبينه رجال رواة فكانت الحاملة الاولى لامانة التبليغ عنه للأمة ونعم ما اختار الرسول لرسالته فقد كانت على درجة من العلم وعرفت ان الاقصى دين وعقيدة فسألت عنه كأمر شرعي بكلمة أفتنا وبها أرسل الرسول رسالة خصوصية الى أتباعه من النساء ايضا عن دورهن في الانفاق المادي وفي المبادرة خصوصا وهن المسؤولات عن تدبير الانفاق في المنزل وحياة الاسرة وهن الناشئات في حب الحلي من ذهب وفضة وتضحيتهن بهذه الأمور الأثيرة، هو جزء من جهاد النفس، والتاريخ يحفل بنساء اوقفن مالا وضياعا وقصورا للاقصى وخُلدت اسماؤهن من بوابة القدوة تلك، هذا غير من تزوجت للأقصى من جاءها فاتحا باسم صلاح الدين ومن ضحت بقيمة الجمال واهبة جمالها وجدائلها لخيول تقاتل الصليبيين، ومن علمت الخلفاء كأم الدرداء الصغرى يجلس الى درسها في الأقصى عبد الملك بن مروان.

«وليس الذكر كالأنثى» في نصرة الدين مقارنة أفضلية للنساء وليس انتقاصا فقط لمن يفهمون من أولي الألباب أما المثبطون فما عاد مجال لسماعهم وصرخات التكبير تنطلق من الاقصى في شكل استغاثة.
أما أنت أيتها المرأة فليكن شعارك قول الرسول لأم حرام «أنت من الأولين» وميدانك كأم عمارة لا تدع موضعا الا ويشهد لها بحسن البلاء، ومن قبل قدوتك في الانبياء رضوان الله عليه اجمعين يوم قالوا «وأنا أول المسلمين» «وأنا أول المؤمنين» ليس سبقا زمانيا فحسب ولكن سبق عمل وتحفيزا للنفس على ادراك منزلة الأوائل وكأن الدين والمسؤولية ابتدأت بهم

الدين جعلك من الأولين فيالتعس من رضيت بدرك الاسفلين
«أنت من الأولين» فلا ترضي بغير ذلك منزلة.