16.68°القدس
16.44°رام الله
15.53°الخليل
18.62°غزة
16.68° القدس
رام الله16.44°
الخليل15.53°
غزة18.62°
الإثنين 23 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: ندعو لأندلس إن حوصرت حلب

تلك صرخة درويشية أطلقها الشاعر الباقي عشية اجتياح لبنان عام ،1982 وهي تقطير لكثافة من الشقاء وشتاء عربي من الدم والدمع . إنها التعبير الذي لا يرقى إليه أي نثر سياسي عن تهجير القضايا وشحنات العاطفة، بهدف التضليل أولاً، ومن ثم لخلط الأوراق بحيث لا ندري من هو المسجّى أمامنا ونبكيه هل هو الأب أم زوج الأم أو مجرد ميت مجهول؟ الدعوة إلى الأندلس عندما تحاصر حلب هي حكم جائر على الاثنين معاً، فالأندلس قد يكون لها نزفها لكن في الذاكرة، وبعد أن أدبرت خيول أبي عبدالله الصغير وأغمد السيف في غرناطة الغروب . أما حلب فهي الاسم الحركي لكل مدن العرب النازفة من كل الخواصر، حيث يختلط الدم بين ذوي القربى الأشد مضاضة وذوي البعدى الذين نسمع عنهم ولا نراهم . فليس الشبيحة وحدهم في خلفية المشهد الغائم بل ثمة أشباح أيضاً في كل مكان، ولهم أسماء عدة لكن الجريمة هي ذاتها، ترويع وإيهام بأن تغيير الحال من المحال، وهناك إعلام يغذي ثقافة الأشباح هذه بحيث يصبح العدو أو الطرف الآخر شيطاناً لا يراه أحد وبالطبع لن يفعل الناس في مثل هذا الحال ما لجأ إليه بطل أسطورة الاغريق “الإله أندرة” الذي اضطر إلى الاختفاء أمام عدوه اللامرئي بأن يدخل إلى ساق زهرة لوتس، فما من أزهار لوتس الآن تتسع لكل هؤلاء من قتلى وجرحى وهائمين، فالأرض رغم سعتها ضاقت، ولم يعد المنفى هو الحل بانتظار عودة ظافرة أو فتح مبين . ما من مرة حوصرت فيها عاصمة أو حتى قرية عربية إلا وأحْرَفَ الإعلام المتخصص في فقه التضليل عيون الناس عنها، وما الأندلس كما قال الشاعر في زمن الاجتياح إلا التعبير الأدق عن تهريب العواطف، فإذا حوصرت غزة لا بأس أن تتجه العيون إلى أية مدينة غيرها يعاني أهلها فائض الرفاهية والضجر، وإذا أحرقت القاهرة فلا بأس أن تتجه العيون إلى مدينة جبلية لانقاذ ما فيها من غزلان وتحويلها إلى محمية طبيعية، المهم أن تنصرف الأنظار عما يحدث فعلاً، سواء إلى ما حدث قبل قرون أو ما سوف يحدث بعد عام . وقد مرّ بالعالم العربي أوقات عصيبة، تم فيها اختراع أشباح وفزاعات شغلت الناس . منها سفاح القاهرة الذي كتب عنه الراحل محفوظ روايته “اللص والكلاب” والذي أفزع مدينة تعج بالملايين . ومنها شخصية “أبو طبر” الشبحية التي شغلت بغداد في أوائل السبعينات من القرن الماضي لتصرف انتباههم عما يجري لهم ومن حولهم . وفي الخريف العباسي اُخترع شبح اسمه “طائر الزبزب” وقال من اخترعوه للعامة إنه يخطف الأطفال ولا سبيل لردعه إلا الطّرْق على النحاس فخرجت المدينة برمتها إلى أسطح المنازل وهي تطرق النحاس، وتحت غطاء هذا الضجيج أحرق من أحرق وَذُبَح من ذُبِح . لم تكن حلب هي المحاصرة عندما كتب درويش قصيدته تلك في مديح ما سمّاه الظل العالي، لكن الشاعر الحق زرقاء يمامة، يرى ما لا يراه الآخرون، وقد يدفع الثمن الذي دفعته الزرقاء لأنه قال إن ما يراه ليس أشجاراً تمشي بل عساكر يتلحّفون بأغصان الأشجار . إلى متى سنظل ندعو إلى أندلس إذا حُوصرت حلب؟ وإلى متى ستظل هذه اللعبة التي فقدت أسرارها وأصبحت مملة تُهرّب الوقائع لمصلحة ما مضى أو ما سيأتي . لقد رفعت بغداد ما قبل السقوط شعار تحرير القدس وجيشت إعلامها لهذا الشعار، لكنها بدلاً من أن تُحرر القدس وقعت هي الأخرى تحت الاحتلال، وكأن عبدالمعين العربي يحتاج إلى معين كما يقول المثل .