تبدو الخليل هذه الأيام قائدة الانتفاضة الجديدة، فلا يكاد يخلو يوم من أحداث ومواجهات قد تكون عنيفة في بعض الأوقات وتهبط إلى درجة "مناوشات" في أوقات أخرى، كما أنها تتصدر أعداد الشهداء والمصابين والأسرى.
في المقابل تكاد مواقع أخرى في الضفة الغربية وغزة تكون غائبة بصورة شبه تامة عن الأحداث، ولا يذكر أسمها في وسائل الإعلام إلا نادرا..
هنا يبرز السؤال الذي يهتم به السياسيون والمتابعون، حول اتساع الأحداث وحجم المشاركة الشعبية على الأرض.
فقد رصدت دراسة أعدها مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، خارطة الاشتباك في الأراضي الفلسطينية، التي تبلغ نحو 480 نقطة موزعة على كافة المحافظات، لكن ما تبين أن الفاعل فيها لا يتجاوز 60 موقعا بمستويات مختلفة.
لكن ما برز من ذلك هو ضعف مشاركة المدن في شمال الضفة الغربية، الأمر الذي أثر على مخرجات الصورة للأحداث وقوتها لضعف واضح في هذه المناطق.
وشكلت جامعات بيرزيت قرب رام الله، وأبو ديس على مشارف القدس، وخضوري بطولكرم، حضورا مهما في الأحداث، كما لوحظ ضعف في أداء جامعة النجاح بنابلس.
في هذا الوقت تقول الدراسة التي وصلت لـ"فلسطين الآن" نسخة عنه، إن الإعلام ظل عاجزا عن تغطية الموجة الثورية بعموميتها، خاصة في الشمال والقدس، وضواحيها، في وقت تميزت فضائيات الأقصى، فلسطين اليوم، القدس، في متابعة الحدث وإثارته والتحفيز له.
كما كانت مواقع التواصل الاجتماعي عاملا مهما في الأحداث الدائرة.
الشمال دون المستوى
نقاط الاحتكاك في مدينة جنين بلغت 4 فقط، فيما ارتقى شهيد واحد منها، وهو الفتى أحمد كميل على حاجز الجلمة شمالي المدينة.
وفي تحليله لواقع مدينة جنين وحجم المشاركة، قال مدير مركز القدس علاء الريماوي، إن أداء جنين في الأحداث كان ضعيفا بالمقارنة مع أدائها المعهود، وهذا يرجعه إلى جملة من المتغيرات المهمة.
حيث لا يوجد جامعات في المدينة معتبرة، ما أفقد حضور القيادة الطلابية للأحداث، وكذلك قلة نقاط الاحتكاك،. كما أن جنين اعتمدت على مخيمها في إدارة المواجهات، هذا إضافة لضعف الحالة الفصائلية في قيادة الأحداث.
ورغم أن شرارة الانتفاضة انطلقت من نابلس عقب تنفيذ عملية "ايتمار" البطولية، إلا أن المشاركة لم تكن بالمستوى المطلوب، نظرا لتأخر مشاركة جامعة النجاح وتأثير الخلافات الداخلية لحركة فتح على مستوى المشاركة. كما يحتفظ المواطنون بذاكرة سلبية عن أداء بعض المسلحين المحسوبين على حركة فتح في أواخر انتفاضة الأقصى، جعل النقاش مخيفا لعودة الانفلات الأمني.
الحال مشابه في محافظة قلقيلية، نظرا لضعف الحركة الطلابية وفشل الفصائل بتعويضه.
ولازالت أحداث الانقسام تؤثر سلبا على دور المحافظة الريادي، خاصة أن المدينة تعتمد بالمجمل في نشاطها على حركة حماس، ومن ثم حركة فتح.
كما تعد المحافظة من المحافظات الصغيرة نسبيا، إلا أنها تمتاز بالعدد الكبير ومن نقاط الاحتكاك غير المفعلة، نظرا للحالة الفصائلية والضعف في الحركات الشبابية، عدا عن اعتماد أهالي المنطقة على أنماط من العمل، لها صلة بالمستوطنات.
وفي تحليل لبيئة المواجهات في طولكرم، قال الريماوي، إن أداء المواجهات كان جيدا في المدينة بمقابل ضعفه في القرى، حيث كان لخضوري دورا واضحا في الأحداث.
وفي الوقت ذاته برز في المحافظة أداء سياسي على صعيد المسيرات لحركة حماس، واشتراك لحركة الفتح (الشباب)، لكن السلطة مارست دورا مباشرا لمنع بعض مواطن الاشتباك خاصة في الأسبوعين الأول والثاني، كما سجل قمعها لمسيرات بعينها.
محافظة الخليل
وفي اليوم الـ26 للانتفاضة، قدمت الخليل ثلاثة شهداء جدد، هم سعد الأطرش ورائد جرادات وإياد جرادات وكلاهما من بلدة سعير شمالي الخليل، ليكونوا الشهداء التاسع والخمسين والستين والحادي والستين على التوالي.
جرادات طعن جنديا إسرائيليا على حاجز قرب قرية "بيت عنيون" شمال شرق الخليل، فيما أدعى الاحتلال أن الاطرش حاول تنفيذ عملية طعن قرب المسجد الابراهيمي..
وبلغ عدد نقاط المواجهة في محاظة الخليل 19 نقطة، هي حلحول، مدخل سعير، بيت أمر، بيت عوا، بني نعيم، صوريف، خرسا، يطا، الفوار، العروب، رأس الجورة، مدخل المدينة "بيت عينون"، مفرق طارق بن زياد، الكسارة، جبل جوهر، الارتباط العسكري، طريق واد الهرية DCO، باب الزاوية، شارع الشهداء، منها 0 نقاط نشطة.
وبلغ عدد الإصابات في الخليل أكثر من 700 إصابة، كما قدمت المحافظة 17 شهيدا.
ومن أهم ما ميز حراك الخليل جملة من المتغيرات، أبرزها التماس المباشر مع المستوطنين، ما عزز نشاط نقاط الاحتكاك في المحافظة، والمشاركة الفاعلة خاصة من حماس وفتح.
وأيضا حضور العمليات الفردية والعدد الكبير من الشهداء، وتهديد المستوطنين للأمن المجتمعي في الخليل، ما دفع لحالة من المواجهة.
وكذلك تأخر دخول المدينة على ساحة المواجهات، في نمطية تعتادها الخليل لطبيعتها التجارية.
في حين تعد مدينة بيت لحم من المدن التي يوجد فيها نقاط احتكاك كبيرة، لكن يظهر عملية ضعف في تفعيلها
رام الله والقدس
بلغ عدد نقاط المواجهة في مدينة رام الله، 14 نقطة مواجهة، كما قدمت ثلاثة شهداء .. حيث كان للإعلام حضورا مهما في تعزيز المواجهات، خاصة على مدخل البيرة.
كما لعبت جامعة بير زيت دورا بارزا في استمرار المواجهات.
وأظهرت دراسة مركز مدينة القدس جملة من المتغيرات، أهمها سعة المشاركة الشعبية، والكادر التنظيمني الوسيط من كافة الفصائل الفلسطينية، وظهور مخيم شعفاط كحالة في الاحداث الدائرة في مدينة القدس إلى جانب سلوان والبلدية القديمة والعيسوية والثوري.
لكن ضعف التغطية الإعلامية من القدس والضواحي وضعف الدعم الفصائلي للحالة الشعبية لعب دورا في ضعف الأحداث على الأرض.
فيما يسجل في القدس حضور التيار الإسلامي بشكل واضح الأمر الذي شكل أحد الأسباب لاندلاع الانتفاضة.
الداخل الفلسطيني
وتبدو الساحة الداخلية ركيزة اساسية في انتفاضة القدس، حيث بلغ عدد نقاط المواجهة في الداخل ثمانية، هي: أم الفحم، عكا، حيفا، الناصرة، الطريق الرئيس عاره عرعره، عرابة البطوف، بئر السبع، النقب.
وشكلت مشاركة الداخل خاصة المظاهرات الشعبية حالة اسناد كبيرة، كما أثرت على معنويات المؤسسة الإسرائيلية بشكل كبير.
وقال مدير مركز القدس إن حضور الداخل على خط الأحداث بالإضافة للقدس، غزة أربك إسرائيل بشكل كبير وواضح، بل أثر في شكل قراراته.
قطاع غزة
غير أن المفاجأة الأبرز -حسب الريماوي- كانت في مشاركة غزة، حيث شملت نقاط المواجهة مختلف المناطق الحدودية، الأمر الذي جعل "إسرائيل" تخشى من عسكرتها.
وبحسب الإحصائيات بلغ عدد المصابين في غزة 1166 مصابا، منهم 733 بالرصاص الحي، كما بلغ عدد الشهداء 17 شهيدا.
وكان لقطاع غزة، حضور واضح وذات تأثير، كما نجحت في العموم بإرباك "إسرائيل"، التي وصفت الحالة في غزة بـ"غير المطمئنة".
ويمكن القول في الختام إن الأحداث مرشحة للتصعيد في ظل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه غير المتوقفة، كما أن عوامل الدفع القائمة في ظل ضعف الفصائل، ما قد يؤثر على جذوة الأحداث، لكن ما قلل أثر هذا العنصر بروز العمليات الفردية وارتقاء الشهداء فيها.