16.91°القدس
16.57°رام الله
15.53°الخليل
21.13°غزة
16.91° القدس
رام الله16.57°
الخليل15.53°
غزة21.13°
الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
4.82جنيه إسترليني
5.29دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.75دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.82
دينار أردني5.29
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.75

انتفاضة القدس ستقتحم "العقبتين" في مدها الثَّوري المتصاعد (1-2)

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

(1)
هل حقًّا ستمهد هذه الجولة الثورية للانعتاق من ربقة الاحتلال الصهيوني المقيت؟، وهل هذه الموجة الثورية المتصاعدة هي بدايات واعدة لانتفاضة ثالثة كانت شرارتها القدس؟، وهل يمكن تجاوزها بسحب الذرائع التي دفعت بهذا الاتجاه (مواجهة المس بالمسجد الأقصى الذي شهد حملة محمومة، واقتحامات متكررة من جانب قطعان المستوطنين بين يدي التمهيد لتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا)؟

أم أن دواعي الحالة الثورية تتعدى دائرة الحقوق المطلبية التي تشخص الأمور في اتجاه تحسين شروط الاحتلال، والتخفيف من ظروف العدوانية التي يمارسها في أسوأ حالات السادية المتعطشة إلى الجريمة؛ إلى العمل الجاد لانتزاع الحق في تقرير المصير والحرية الكاملة بدولة كاملة السيادة على التراب الفلسطيني؟

كل تلك التساؤلات وغيرها لا تزال تتبلور لها إجابات بما يرسخه الميدان من رؤى لدى طرفي المعادلة: الطرف الأصيل صاحب الحق (الشعب الفلسطيني) المتمسك بكل حقوقه، وينطلق من قاعدة قوة منطقه وقدرته على المواجهة والاستعداد للتضحية، والطرف الآخر (الاحتلال الصهيوني) الذي يفرض واقعًا على الأرض بمنطق القوة والتجبر بحكم المساندة المستمرة من جهات وريثة استعمار غاشم يجد هذا الكيان سياجًا لمصالحه في المنطقة.

(2)
كل هذا غير الجدال الذي لا يزال مُثارًا في أوساط عديدة، بعضها لا يزال غارقًا في توصيف الحالة الثورية تلك التي انعتقت من عقالها لمواجهة ما كرَّسه واقع (أوسلو)، وما أفرزه من أجهزة التنسيق الأمني المستمر في أداء مهامه دون توقف في كل المستويات.

ومن ثم لا يزال يطرح هذا السؤال: هل ثمة ما يعول عليه الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه، وتحقيق كيانيته المستقلة، بعد الوقوف طويلًا على محطات الانتظار لموعود الدولة المستقلة الذي بشرت به تفاهمات (أوسلو) التي لم تنجب غير مولودٍ مشوهٍ فاقد لكل معاني السيادة والاستقلالية، عاجزٍ عن توفير أدنى متطلبات الكرامة، وأي من درجات الحماية لشعبنا، المعتمد كليًّا في استمرار بقائه على القيام بواجباته الأمنية في خدمة المصالح الاحتلالية؟

وكم عض الشعب الفلسطيني على جراحاته جرَّاء ما يقوم به هذا المسخ العاجز من ممارسات خارجة عن كل الاعتبارات الوطنية، والتمس له الأعذار بـ"ملاحقة البطال لباب الدار" وصبر عليه "صبرًا جميلًا" وغير ذلك، حتى انتهت الأمور إلى الواقع الأليم الذي خلفته هذه المتوالية التي لم تبقِ أرضًا ولم تعلِ لنا شأنًا؟!

ثم كم انتظر شعبنا أن يترجم قادة هذا المسير الوهمي المتبدد (أوسلو) مسؤولية مواقعهم؛ فيسفروا عن الحقيقة ويوقفوا نزف الزمن الذي لا يعمل إلا لمصلحة المحتل؟!

ولكن من ربط مصيره بمصالح الاحتلال ما كان له إلا أن يحول دون المصارحة مع الشعب، الذي دفع من دمه الزكي ثمنًا لعبور كثير من هؤلاء إلى مواقعهم الخشبية، وبهذه الامتيازات والتسهيلات التي منحها الاحتلال لطغمة متنفذة استطاع تشكيل جماعات مصالح (لوبيات مصلحية متصهينة) ارتبط وجودها بكليته بمصالحه الاحتلالية.

ولعلَّ هذا ما جعل تقديرات المؤسسة الأمنية للكيان العبري تستبعد إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، مع أن دواعيها _تبعًا لهذه التقديرات_ قائمة فعلًا، ولكن ذهبت التقديرات إلى تدني إمكانات حدوثها لأن الجهات الأمنية الصهيونية وضعت في الحسبان تلك الطغمة المتنفذة التي تجد في انطلاق انتفاضة ما لا يهدد مصالحها فقط بل أيضًا وجودها الذي سيكون على المحك.

بئس من جعل مصيره مرتهنًا بالحيلولة دون أخذ الشعب الفلسطيني زمام المبادرة ومسئولية المبادأة في مواصلة ثورته الأولى من لدن ثورة البراق؛ لانتزاع حريته وكامل حقوق المصيرية التي تعطلت طويلًا بفعل الخداع السياسي الذي لم ينطل يومًا على شعبنا، غير أن نخبًا تفرض نفسها هي من تمرر تلك الخدائع.

(3)
وإنه ما من شك أننا الآن أمام مقومات انتفاضة فلسطينية فريدة في أساليبها، متناسبة مع الظروف الموضوعية الميدانية المحيطة بها، تتطور باطراد مستمر فتزداد قوة دافعة في مسارها الصاعد حتى تبلغ مداها وتصل إلى منتهاها.

ولكن على هذه الموجة الثورية اقتحام عقبتين أساسيتين في طريق تقويضها المستمر للمنظومة الأمنية الاحتلالية إلى أن تخضعها مكرهة لحقوقنا المشروعة في (الحرية وتقرير المصير في دولة كاملة السيادة، وتحقيق واجب العودة للمهجَّرين إلى أرضهم التي هجروا منها ظلمًا وبغيًا وتعويضهم).

فهذا كائن بقوة إرادة الصمود، والقدرة على المواجهة، والاستعداد للتضحية، والإبداع الفطري الفلسطيني المتعزز بإيمانه المطلق بكامل الحق له في فلسطين كل فلسطين.

فالشعب الفلسطيني يجد أن الاحتلال الصهيوني قد أخذ من الوقت أكثر مما ينبغي له، وأنه وزاد في طغيانه واستعلائه بشكل لا يُحتمل وغير مبرر أمام التاريخ والأجيال.

أما بخصوص العقبتين اللتين ستقتحمهما هذه الموجة الثورية الجارفة فأولاهما عقبة القبضة الأمنية (التنسيق الأمني)، الذي بدأت يداه ترتجفان بعد أن أوصل ظهر شعبنا إلى الجدار أمام التغول الصهيوني وقطعان مستوطنيه.

لكن السؤال: هل ستقدم أجهزة التنسيق الأمني فعلًا على ملاحقة المقاومين الثائرين، بعد أن عجزت عن توفير أدنى درجات الحماية للمواطن الفلسطيني من جرائم الاحتلال وانتهاكاته المستمرة، وفي ظل حالة الرفض الشعبي لهذا التغول؟ 

غير أن الحقيقة المرة لا تنفي احتمالية المواجهة، بل هي تتأكد مع توارد تقارير إعلامية وأخرى رسمية عن استمرار التنسيق الأمني في كل المستويات، وفي ظل الحديث عن تواصل رئيس السلطة وزعيم المعارضة في الكيان، وتعبيره عن خشيته استمرار الموجة الثورية وتحولها إلى مد ثوري جارف، وإن الواقع يبرهن على ذلك من استمرار اعتقال المقاومين، والاستدعاءات التي لم تتوقف، والتهديد والوعيد للثائرين.