كانَ مقتل المتضامن الأجنبي فيتوريو أريغوني على يد جماعة تزعم أنها ذات خلفية إسلامية سلفية، نقطة تحول داخل المجتمع الفلسطيني. فعملية القتل فتحت باب التساؤل عن حقيقة الجماعات المتشددة في القطاع على مصراعيه، خاصة وأنَّ مدينة رفح الحدودية شهدت قبلَ ما يقارب العام حادثة "غلوّ ديني" أخرى، تُعرف في القطاع بـ"أحداث مسجد ابن تيمية". وجه التشابه، والغريب أيضا في الموضوع أنَّ هناك علاقة معينة بينَ "الجماعتين" المتشددتين، خاصة وأن قتلة أريغوني طالبوا الحكومة في غزة بالإفراج عن "هشام السعديني" أحد المُعتقلين في أحداث المسجد في مارس 2011. هذا الارتباط طمأن المواطن إلى تفسيرات وزارة الداخلية في غزة التي أكدت أنَّ هاتين الجماعتين ما هما إلا أفراد جمعتهم أفكار واحدة، دون هيكل تنظيمي ودعم مالي، إلا أن التساؤل حولَ وجود هذه الجماعات في غزة، وأسباب نشأتها، ونشاطها، وخطرها ما زال قائما وبقوة.. أما الإجابة، وغيرها من التفاصيل ترد تباعا في سياق التقرير التالي: [color=red][title]استخدام القوة يعني "تطرف"[/title][/color] أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى د. درداح الشاعر أكد أن ظاهرة التطرف تعبر عن درجة من درجات عدم الفهم لمفهوم الدين الإسلامي وعدم الوعي باتجاهاته الداعية إلى الوسطية والاعتدال. وقال :"تظهر في جميع المجتمعات ظاهرة التشدد الديني، نظرا للفهم الخاطئ، وأحيانا نتيجة للاضطهاد الذي يتعرض له بعض المنتمين إلى الجماعات الدينية، وفي المجتمع الإسلامي حديثا يعزى وجود الجماعات المتطرفة في جانب من جوانبه إلى الاضطهاد الذي تعرضَ له المسلمين على يد المجتمع الغربي"، متابعاً :"المشكلة الكبيرة تكمن في استخدام القوة لتغير الطرف المختلف، أو التأثير عليه، فإذا اعتقد المتدين أن بعض الظواهر المخالفة لهواه يجب أن تُحسم بالسيف، يدخل في باب التشدد الذي يجب التخلص منه". وأشار إلى أن التطرف في غزة بغض النظر عن أسباب وجوده، التي تصب جميعها في الفهم الخاطئ للدين، يجب أن يُعالج، خاصة بعدَ أن وصلَ الحد إلى قتل المتضامنين الأجانب، قائلا :"رغم أن أريغوني مات على خلفية سياسية، وتبادل رهائن، إلا أن الأمر يجب حله جذرياً، خصوصاً في فلسطين لأنها لا تحتمل أي صدام يخلقه هذا التشدد". وعن العلاج، قال :"هو دور شامل، يجب أن تتعاون فيه جميع مؤسسات المجتمع بدءً بالأسرة وانتهاء بمجتمع الأصحاب، ومرورا بالمؤسسات ذات الصفة الاعتبارية الدينية والاجتماعية"، مضيفاً :"يجب أن يتربى الجميع على أن الدين وسطي معتدل، وأن يفهم كُل أطفالنا الآية القرآنية التي تقول "كذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"..". [color=red][title]خطرهم "مقدور" عليه[/title][/color] السابق، كانَ تفسيراً نفسياً اجتماعياً للظاهرة، أما تفسير الشرطة، فيتكفلَ بشرحه الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في غزة أيمن البطنيجي الذي أكدَ أن المتشددين الذين قتلوا المتضامن الإيطالي أريغوني، وسابقيهم من أبطال أحداث مسجد ابن تيمية ما هم إلا :"أفراد تلاقى هواهم السياسي والفكري، دون تنظيم هيكلي". وتابع :"معظم من ألقت الشرطة القبض عليهم بتهمة ممارسة العنف باسم الدين، وهو ما يعرف بالتشدد، كانوا إما على خلاف مع فصائلهم، أولديهم فهمٌ خاطئ عن الدين"، لافتا إلى أن قتلة أريغوني من النوع الثاني. وعما إذا كان لهذه الفئة "القليلة" حسبَ وصف البطنيجي خطر على المجتمع في غزة، أجاب :"لا يمكن الإشارة إلى خطر قائم وحقيقي ورائهم، خاصة أنهم قلة قليلة، بعضهم مضلل والآخر جاهل، ويمكن التعامل معهم". البطنيجي أكدَ أن هؤلاء الأشخاص يجتمعون على فكرة واحدة، ولا يملكون تمويلاً مادياً أو دعماً من أي جهة متطرفة، وقال :"هم يعملون بأنفسهم، ويحتكمون لأنفسهم فقط، وهذا يعني أن خطرهم لا يذكر، وما حدثَ من الاعتداء على أريغوني كانَ من باب اجتهادهم الشخصي فقط". وعن أسباب وجود ما يسمى "التشدد" في غزة، فعزاه لبعض الوافدين العرب إلى القطاع عبرَ الأنفاق، إذ أخبرنا قائلا :"وجود عبد الرحمن البريزات في القطاع، ومن قَبله أبو الوليد السوري ساعدَ على إنضاج فكرة التشدد لدى بعض الشباب الفلسطيني"، مستدركا :"على الرغم من أنّ غزة خالية من الجريمة المنظمة والجماعات الفكرية الخطيرة". وحول طرق التعامل مع الموقوفين من تلك الجماعات يقول البطنيجي : "تعاملنا في السجون مع أصحاب الفكر المتشدد، بطريقة الأب الحاني، والصدر الواسع"، موضحا أنه ونتيجة الجلسات الدينية في السجون، تغيرَ الكثير منهم وتخلصوا من أفكارهم. [color=red][title]هناكَ أمل[/title][/color] عضوي اللجنة الشرعية في السلطة الفلسطينية، وصاحبا التجربة في الدعوة الدينية لنزلاء سجون غزة على خلفية التشدد الديني، الرائد أحمد بكيرات، والشيخ أسامة الأيوبي، أكدا وبعدَ اختلاطهما المباشر بالمعتقلين من المتشددين دينيا في غزة، أنَهم مجرد أفراد لا يملكون من العلم بالدين شيئا، ولا ينتمون إلى أي منظمة "إرهابية فكرية". وأشارَ العضوان في اللجنة إلى أن المتشددين في غزة نوعين، أولهما يحمل الفكر المتطرف كلاما وقولا وتنظيرا، مؤكدان أنه لا يشكل خطراً آنياً، وخطرهم مرتبط بالمؤمنين بأفكارهم، و"مثلهم كثر في غزة" وفق قولهما، والصنف الثاني هو المؤمن بكلام السابقين، بحيث يطبقوه دون أن يعلمون الغاية منه وأهدافه، وهم يجتمعون وفقَ هوى أنفسهم، محذرا من أنَّ " الأيادي الخبيثة من المخابرات الإسرائيلية وغيرها، يمكنها اللعب بعقولهم وإيقاعهم في ضلالة العمالة مثلا، خاصة وأن المتطرف الديني أشد خطرا على وطنه من المتعاون مع الاحتلال، ذلكَ لأن المتطرف يؤمن بأن تصرفاته إسلامية، في حين يعرف العميل خطأه ويعترف به". وأكد عضوا اللجنة على أن جُل الأفكار الدينية التي يتحدث بها المتطرفون، تتعلق بالحاكمية، في ظل جهلهم بقواعد الدين الأساسية، مبشرا بإمكانية إصلاحهم، وعدلهم عن مسارهم الخاطئ، استنادا لتجربتهم الناجحة مع عدد من الأشخاص.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.