23.52°القدس
23.19°رام الله
21.64°الخليل
27.31°غزة
23.52° القدس
رام الله23.19°
الخليل21.64°
غزة27.31°
الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
4.97جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.14يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.97
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4.14
دولار أمريكي3.72

مدونات: "موموفوكو اندو" .. مخترع النوودلز الجاهزة

تنزيل
تنزيل

قصتنا اليوم بطلها رجل صيني الأصل حمل اسم موموفوكو اندو Momofuku Ando، مواليد تايوان (التي كانت ساعتها محتلة من اليابان) في مارس 1910 منحدرا من عائلة ميسورة. سافر في عام 1933 إلى اليابان ليطارد حلمه في تأسيس عمله الخاص، وهناك في مدينة أوساكا حيث أسس أكثر من شركة لتجارة الملابس، معتمدا على ما تعلمه صغيرا في ورشة الغزل التي كان يملكها جده، وازدهرت تجارته حتى جاءت الحرب العالمية الثانية ثم دخلتها اليابان، ليتوسع ساعتها في تجارة منتجات احتاجتها الحكومة اليابانية، كما تاجر في واقيات مدنية ضد الغارات الجوية.

ثم حدث ذات يوم أن وجد خطأ محاسبيا في سجلات إحدى شركاته، فذهب إلى الشرطة العسكرية اليابانية لتساعده في تحري المزيد من المعلومات عن هذه السرقات، إلا أن الشرطة اليابانية قبضت عليه هو، ووضعته في سجن عسكري، وعذبته وأذاقته مرارة الجوع والهوان لمدة 45 يوما، وتصادف أن أعلنت اليابان هزيمتها في الحرب وقتها، وهو ما عجل بخروجه من السجن العسكري بعد إعلان الاستسلام بأسبوع واحد.

 

الخسارة الشاملة الأولى

خرج من السجن ليجد مصانعه وشركاته هي وباطن الأرض على حد سواء، والاقتصاد الياباني منهارًا تماما، والبلد منهزمة ومحتلة، وتبقى له أقل من القليل. رغم كل ذلك، عاد من جديد ليقوم من تحت التراب، هذه المرة متعاملا في العقارات، بناء على نصيحة نصحه إياها مرشده الفكري ومعلمه الذي أسس شركة هيتاشي فيما بعد، والذي نصحه بأن يشتري العقارات الرخيصة بسبب الحرب والدمار. للأسف، هذه الفكرة لم تجلب أرباحا وخرج منها خالي الوفاض.

النهوض من الحطام – المرة الأولى

بعدها بسنوات، وبسبب سمعته الطيبة وحسن سيرته، استجمع أموالا من معارفه وأسس مصرفا (بنك) وشغل منصب رئيس البنك، إلا أن الأيام عاندته وحبسته الحكومة بتهمة التهرب الضريبي لمدة عامين. سبب تهمة التهرب الضريبي كان تفسير الحكومة لإنفاقه على منح تعليمية لطلاب متعسرين، وهو خطأ محاسبي لا يستوجب كل هذا العقاب لكن كان هذا موقف القانون الياباني ساعتها. خرج بعدها من السجن ليجد البنك الذي كان أسسه وقد أفلس بسبب قروض متعسرة، ليعود خالي الوفاض، مرة أخرى.

 

النهوض من الحطام – المرة الثانية

مرة أخرى، عاد ليقوم من تحت التراب، وهذه المرة اختار تصنيع منتج غذائي رأى أن فيه الحل لمشكلة كبيرة جديدة، عويصة للغاية، ألا وهي مشكلة الجوع الذي كان يضرب بأطنابه في جموع الشعب الياباني، الذي خسر الحرب وفقد المال وحل عليه الجوع ضيفا ثقيلا. هذا المنتج العبقري كان بسيطا في ذات الوقت، إنه منتج غذائي رخيص الثمن مكون من معكرونة / نوودلز مجففة، ما أن تضيف عليها الماء الساخن وتصبر 3 دقائق، حتى يمكنك أكلها فورا. هنا يجب توضيح اهتمام الشعب الياباني وتبجيله لحساء النوودلز بشكل عام.

على أن الأمر احتاج قبلها من بطلنا العمل في مطبخ بيته مع زوجته لأكثر من عام، يتعلم ويجرب، حتى توصل وتحديدا في عام 1958 وعمره 48 ربيعا، لتركيبة المعكرونة سابقة الطهي المجففة، بعد محاولات فاشلة كثيرة سبقتها، انتهت به وهو يلقي من يأسه بعصائب النوودلز في إناء حوى زيتا ساخنا كانت تستعمله زوجته في الطهي، ليكتشف أن قلي النوودلز في الزيت هي الخطوة التي كانت غائبة عنه. كان اندو مصمما على جعل عصائبه شهية الطعم، رخيصة الثمن، سهلة التحضير، وعدم تنازله عن هذه الخصائص جعله يستغرق هذه السنة.

الفكرة جاءت له بعد خروجه من السجن، وسيره بين جنبات الخراب الذي لحق بمدينة أوساكا، [والتي كانت النية متجهة لضربها بقنبلة نووية بعد سابقتيها هيروشيما و ناجازاكي – ربما لأن الدمار تفشى فيها ما جعله لا يبرر إهدار قنبلة نووية عليها]. وهكذا، وبعد عدة محاولات، نجحت طريقته في تجفيف عصائب وشرائط النودلز وتعليبها بحيث يمكن أكلها بعد إضافة الماء المغلي إليها، وخرج إلى النور منتجه الذي حمل اسم تشيكن رامن أو Chickin Ramen [رامن هو الاسم الياباني لحساء المعكرونة] ومعلنا كذلك عن ميلاد تجارته الثالثة الجديدة: صنع النوودلز المطهوة مسبقا، وأما اسم شركته لتصنيع الأغذية فكان نيسن أو Nissin. هذه الشركة بدأها قبلها بعشر سنوات بتصنيع الملح إلا أنه غير اسمها لتتولى تصنيع النوودلز الجاهزة.

بداية بطيئة قبل نجاح طاغي

Momofuku-Ando-1910 لعله من الجدير بالذكر أن سعر بيع أول تشيكن رامن كان أغلى بست مرات من سعر حساء معكرونة تقليدي في السوق، لكن خاصية طهي الحساء في أي وقت وفي البيت بدلا من الذهاب لمطعم كانت هي الدافع وراء انتشاره وذيوع صيته، ونمو الأعمال وتراكم الأرباح. حين بدأت الشركات المحلية تقلده وتزاحمه، قرر اندو البحث عن مستهلكين عالميين، وكما العادة، بدأ يتطلع للسوق الأمريكية.

 

ميلاد فكرة كوب النوودلز السريعة

في عام 1966 وبعد عودته من رحلة تسويقية في السوق الأمريكية، شاهد خلالها بعض الأمريكيين يكسرون عصائب المكرونة التقليدية نصفين، ثم يضعوها في كوب، ثم يصبوا الماء المغلي عليها، ثم يأكلوها باستخدام الشوكة لا العصيان الخشبية كما هو الحال مع سكان جنوب غرب آسيا، وهناك خطرت له الفكرة، والتي ترجمها على مر خمس سنوات من المحاولات إلى تصنيع أكواب النوودلز التي تراها اليوم، وترى مجلة فايننشال تايمز أن هذا المنتج تحديدا (الذي بدأ بيعه في عام 1971) كان المحفز الفعال لتعريف العالم كله بمنتجات الأغذية المصنعة الجاهزة لأكلها، وهو كان الشرارة الفعلية لانطلاق صناعة الأغذية الجاهزة التي تسود العالم اليوم.

 

ظل اندو يعمل في شركته حتى بلغ 95 عاما، ليتقاعد عندها ويموت بعدها بعامين في 2007 بعدما أصبح أيقونة صناعة الأغذية الجاهزة في اليابان. في 2008 بلغ عدد عبوات النوودلز المعدة مسبقا المباعة سنويا في العالم أكثر من 94 مليار عبوة. إذا حدث وزرت أوساكا في اليابان، عليك بزيارة متحف النوودلز الذي يروي قصته.

 

كل فشل في حياته قربه من النجاح

حين جلس اندو يكتب تفاصيل قصة حياته في كتابه، أكد على أن كل خطوة خطاها في حياته، وكل فشل نال منه، لم يكن سوى إعداد له وتجهيز لينتج النوودلز المجففة، ليساعد في القضاء على المجاعة والجوع في هذا العالم. كذلك أوضح اندو لماذا اختار حساء الدجاج تحديدا، قائلا أن الدجاج هو المنتج الوحيد الذي لم تحرمه أي ديانة أو اعتقاد ديني، فالمسلمون لا يأكلون الخنزير، والسيخ لا يأكلون لحم البقر، وهكذا، لا تجد سوى الدجاج الذي لا تحريم عليه.

من يقرأ قصة اندو بتفصيل كبير، سيجد أن من ضمن أسباب نجاحه، إحاطته لنفسه بعدد من الأصدقاء المحفزين المتفائلين، المشجعين له على الاستمرار، المشجعين بالنصيحة وبالمال، المساعدين له على أن يقوم بعد كل كبوة وسقطة.

السؤال الذي يجب أن يحضرنا الآن، الناجح لا يسير سوى في درب عسيرة مليئة باللطمات والضربات القوية، والذي يقع ويخسر كل شيء أكثر من مرة، والسؤال هنا ما السر الذي يجعل الناجح لا ييأس رغم كل هذه الضربات المؤلمة. ما رأيك أنت؟