20.55°القدس
20.3°رام الله
19.42°الخليل
24.88°غزة
20.55° القدس
رام الله20.3°
الخليل19.42°
غزة24.88°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

احتجاز اليهود جثامين الشهداء في فلسطين

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

احتجاز اليهود جثامين الشهداء في فلسطين أو اختطافهم أو سرقتهم أو سجنهم فكلها سواء، أعمال خسيسة دنيئة، ووحشية لا إنسانية، تدل على أخلاق لئيمة، وتصرفات واطئة، لا تعرف للدين القويم معنى، ولا للشعور الكريم قيمة، بل تُنبئ عن حقد دفين، وضغن أثيم، وحنق شديد على كل موحِّد متحنث، ومتوضئ طاهر، وأبِيٍّ عزيز، ومتمسك بحقه أصيل.

 إن الإنسان ابتداء له كرامته، وللحرب أصولها وآدابها، وللموت هيبته وجلاله، وللتدين تقديره وتعزيره. فالإنسان أكرم مخلوقات الله تعالى عليه. ولهذا المعنى يجب احترامه وتوقيره، وإذا ما قُتِلَ أن يُسارع إلى دفنه، ففي دفنه إكرامه. وليس من طِيب الخِلال –بأي حال– الإساءة إليه بمنع جثمانه –مثلاً– عن ذويه، إذ هم أولى الناس به مَيتاً كما كانوا أولى به حيّاً.

 أمّا أنْ يُحتَجز جثمانه عن أهله بعد قتله كما يفعل الصهاينة اليوم بالشهداء من أبناء فلسطين، وهو أصلاً قَتْلُ ظلمٍ وعدوان، لأنهم خرجوا يدافعون عن وطنهم، فهذا كُلّه من أخلاق الفجرة وخصال المجرمين، تلك التي لم يستسغها من أبناء البشرية إلا هؤلاء اليهودة الذين وصفهم الله بأنهم أشد الناس عداوةً للذين آمنوا، ولم يقرن بهم –في لؤمهم- أحداً من بني آدم، سوى المشركين عبدة الأوثان.

 لقد أسِيَ قابيل بعد أن قتل أخاه هابيل، أنْ لم يوارِ جثمانه أو يعرف الطريق إلى ذلك، لأنه يعلم في دخيلة نفسه أنّ عدم مواراته –بعد ارتكابه جُرْمَ ذبحه– جرم ثانٍ، فكان الغراب الذي بعثه الله إليه – ليعلمه كيف يواري سوأة أخيه، أرأف من هؤلاء لُبّاً وألطف شعوراً، وهو الغراب الذي يُضرب به المثل في المناداة بالشؤوم والخراب. وعليه فيصبح بنو إسرائيل في قتلهم أبناء فلسطين واحتجاز جثامين شهدائهم أحطَّ من ابن آدم الذي قتل أخاه، لأنه قتل واحداً وهؤلاء قتلوا الألوف إن لم يكن الملايين، بل أحطَّ من الغراب نفسه لأنه دفن أخاه، وهؤلاء احتجزوا جثامين الشهداء حقداً وتشفياً فلم يدفنوهم، بعد أن قتلوهم ظلماً وعدواناً.

 وتزداد المسألة إجراماً إلى إجرام بشأن هؤلاء القتلة من بني إسرائيل عندما نسمع أنهم إنما يحتجزون جثامين هؤلاء الشهداء لأن في تسليمهم إلى أهليهم تكريماً لهم وإجلالاً !! وما دروا أنهم في ذلك كمن يغطي وجه الشمس بغربال كما يقولون، إذ كيف يحاولون حجْبَ منحة تمنّن الله من عليائه بها على الشهداء، فكانوا عنده من أكرم المكرمين وأقرب المقربين، ولا يكاد يفوقهم في منازلهم عنده سبحانه إلا الأنبياء، وهو الذي يقول: (ويتّخِذَ منكم شهداء)، ويقول: (والشهداءُ عند ربِّهم).

وفي الحديث الصحيح: (أنَّ أرواح الشهداء في حواصل طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى هذه القناديل ) وأنه: (ما من نفسٍ تموت لها عند الله خيرٌ، يسرّها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة). فإذا سعى اليهود أن يسلبوا عن هؤلاء الشهجاء التكريم بزعمهم، فإن الله جل وعلا قد سبق إلى تكريمهم أعظم تكريم وأرفعه، فأين يبلغ جهد هؤلاء التعساء الأقزام مع قضاء الله وقدره؟! وليعلم هؤلاء التعساء أن قتلانا في رضوان الله، وقتلاهم في سعير الله ونيرانه.

وإذا كان هؤلاء المناكيد يخافون إن سلَّموا جثامين شهدائنا الأبرار لذويهم يزيد في إشعال غضبتهم وتأريث ثورتهم، فليعلموا أن الثورة عليهم مشتعلة سلموا جثامينهم أم لم يسلموها، لأن عسفهم ضجت منه الأرض والسماء، وبطشهم فاق كل بطش وخاصة أنهم يسعون اليوم وبكل صلافة ووقاحة أن يُدنِّسوا الأقصى الطهور بجوسهم خلاله، كما يسعون إلى تقسيمه وتمزيقه، بل إلى هدمه وإقامة هيكلهم المكذوب على أنقاضه. خسئوا وخاب مسعاهم، فهو بيت الرب الواحد لا بيت رب بني إسرائيل عبدة العجول والثيران، ومسجد المسلمين لا مسجد قتلة الأنبياء والمرسلين.

وإذا كانوا يقدمون على هذه الفعائل المنكرة ضغطاً على زعيم السلطة الذي لا يملك من أمره شيئاً أو غيره من زعماء العرب ممن يساعد في اعتداءاتهم على مقدساتنا وإزهاق أرواح أبنائنا للقضاء على انتفاضة شعب بلد الإسراء والمعراج، أو تخفيفها على الأقل، فليعلم هؤلاء أن الشعب الفلسطيني الأبيّ قد شب عن الطوق وانعتق من الإسار، ولم تعد تنطلي عليه وعود حكام العرب كما كانت الحال في ثورة 1936م، وليعلموا كذلك أن هؤلاء الزعماء الذين يرجون عونهم لا حول لهم في الحقيقة ولا طول مع حول الله وقوته، ثم مع إرادة الشعب الفلسطيني البطل بشبابه برجاله ونسائه.

فليكف هؤلاء الغرباء عن وقائحهم، وليقلعوا عن تكاذيبهم بما يدعونه في بلادنا ومقدساتنا، فالدائرة ستدور عليهم بعون الله إن عاجلاً أم آجلاً. فهم ملعونون في كتاب الله وملعونون على ألسنة أنبائيهم داوود وعيسى ابن مريم (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون) وأن الله عزوجل تكفل لنا بأنهم (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) وأنه سيبعث عليهم في احتلالهم لبلادنا من جنده – ونسأل الله أن نكون منهم أو من مقدمتهم – كما يقول سبحانه (عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا).

وليعلم هؤلاء البغاة أن الحبال التي يتوسلون بها في عدوانهم علينا من دول أجنبية وعملاء من أبناء جلدتنا، حبال مهلهلة رثة، ولن تنفعهم بشيء عندما يحين الحين، وهو حائن قريباً إن شاء الله، لأن أمة - يقاتلهم شبابها ممن رُبُّوا في عهد الجاهليات الحديثة وعلى مناهجها، وقُدّمت لهم جميع الإغراءات من الجنس والمخدرات والأموال والمناصب، ومورس عليهم مختلف أنواع التضليل والتجهيل – لن تموت ولن يموت إباؤها وتوقها للحرية، وهذه طلائعها في فلسطين ومختلف بلاد العروبة والإسلام ترفض التغريب وتطالب بحقوقها، ولا ترضى أن يكون لأحد عليها سلطان إلا من يحكمها بشرع الله ومنهاجه.

وليُعِدْ هؤلاء الخُبُث جثامين أنبائنا الطاهرة إلينا حتى لا ينجسوا بنجاساتهم، وإلا رفعهم الله من بين أظهرهم كما رفع عيسى عليه الصلاة والسلام من بين ظهرانَيْهِمْ ليطهره من أرجاسهم، وهم الذين سعوا لقتله لدى الحاكم الروماني عابد الأوثان. وليُدرك هؤلاء الأخِسّاء أن جثامين أبنائنا عندهم خطباء فُصحاء تراوحهم باللعَناتِ صباح مساء، وأصوات شؤم عليهم ونكال في ليل أو نهار تصيح برحيلهم عن ديارنا، وعفاريت مؤمنة تَمْثُل لهم في نومهم كوابيس تُقِضُّ عليهم مضاجعهم، وتقلق عليهم راحتهم. ولن يحميهم منا اليوم قبل الغد غرقدهم من دول أجنبية وإيالات عربية، لأننا سنكون لهم بإذن الله نذير شؤم، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المُنذَرِين). ولله الأمر من قبل ومن بعد.