21.91°القدس
21.59°رام الله
20.53°الخليل
25.41°غزة
21.91° القدس
رام الله21.59°
الخليل20.53°
غزة25.41°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

كيان الاحتلال.. ونموذج العسكرة!

هشام منور
هشام منور
هشام منور

يلهج الإعلام الإسرائيلي أو المتعاطف مع كيان الاحتلال على تصوير ما يحدث في فلسطين المحتلة على أنه "إجرام بحق المدنيين" من خلال القيام بسلسلة عمليات من الطعن بحق "مواطنين أبرياء" في شوارع المدن المغتصبة من أهلها ولا سيما في القدس والضفة الغربية المحتلتين وفق التصنيف الدولي.

بالنسبة للشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين والشرفاء حول العالم يعلم الجميع كيف تشكل كيان الاحتلال على أرض فلسطين من خلال سلسلة الهجرات المتوالية التي تمت خلال الاحتلال البريطاني لفلسطين والتسهيلات المقدمة حينها من بريطانيا لاستقدام اليهود حول العالم ضمن ما يعرف بوعد بلفور الشهير، أما بالنسبة للمواطن الغربي الغارق في شؤونه المحلية والمشبع بمشاكله الاقتصادية فإن مثل هذه المعلومات لم تكد تمر على ذاكرته فضلاً عن المناهج التعليمية التي نال قسطاً منها خلال دراسته.

"كلّ الأمة هي جيش، وكلّ الأرض هي جبهة". مفردات نطق بها "ديفيد بن غوريون"، رئيس الوزراء الأول في دولة الاحتلال، في ولايته الأولى كي تكون هي الفكرة الحاكمة لدولة الاحتلال، التي جعلت من المؤسسة العسكرية المُتحكم الأول في الهيكل السياسي والاقتصادي للدولة العبرية.

يدرك المجتمع الإسرائيلي الذي نشأ على الاستيطان في تأسيس دولته أن مصيره سيكون الفناء حال تخليه عن الخوذة والسلاح، بسبب ضرورة حماية البقاء الذاتي للبلاد وفرض سطوته، ليصير الهاجس الأمني على السياسة العامة في كل القطاعات، وعلى سلوك الإسرائيليين، كشروط حتمية لاستمرار البقاء.

يقع مكتب الرئيس ورئيس الوزراء ومجلسه تحت سيطرة وتأميم مُحصن للجنرالات الإسرائيليين السابقين والحاليين، حيث تُعد الوظائف المهمة داخله قاصرة على ضباط سابقين في الجيش أو الأجهزة الأمنية التابعة له. ومن ضمن 29 حكومة تعاقبت على ولاية منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ إنشاء (إسرائيل) عام 1948، مَثّل أكثر من نصف هذه الحكومات جنرالات عسكريون سابقون، الذين قاموا بدورهم بحركة تعيينات للضباط سابقين وحاليين في الوظائف السيادية داخل الدولة.

إسحق شامير، أبرز من تولى منصب رئيس شؤون حكومة الاحتلال في الفترة الممتدة من 1983 إلى 1992، والذي اشتهرت عنه لاءاته الثلاث "لا للقدس، لا للدولة الفلسطينية، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم". شامير الذي تدرج في وظائفه داخل الأجهزة الأمنية، بدأ في جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" لمدة عشر سنوات (1955 – 1965)، وانتخب عضوًا في الكنيست عام 1973. وبعد فوز الليكود انتخب رئيسًا للكنيست، وفي عام 1978 امتنع عن التصويت على تأييد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

في عام 1980، عين وزيرًا للخارجية، وانتخب رئيسًا للوزراء من أكتوبر 1983 إلى سبتمبر 1984. وبعد أن اعتزل مناحيم بيغن الحياة السياسية عام 1984 أصبح شامير في العام نفسه زعيمًا لحزب الليكود، وفي أعقاب انتخابات 1988 شكل حكومة تحالف مع حزب العمل عام 1990، وتولى شامير رئاسة الوزراء.

بنيامين نتنياهو، أصغر من تولى منصب رئاسة الحكومة في تاريخ كيان الاحتلال، والذي يشغل حاليًا المنصب، بدأ مجال عمله بالالتحاق بالجيش وخدم في وحدة العمليات الخاصة مع إيهود باراك في الفترة من 1967 إلى 1972 اشترك خلالها مع مجموعة الكوماندوز، ثم أصبح سفيرًا لدى الأمم المتحدة. وبعد عودته إلى (إسرائيل) انتخب عضوًا في الكنيست عن حزب الليكود 1988، وعمل مساعدًا لوزير الخارجية.

تمنح القرارات الرئاسية جيش الاحتلال الحق في جميع الأراضي غير الزراعية وغير المستثمرة سواء كانت داخل حدود دولة الاحتلال، أو الأراضي المحتلة في فلسطين لأغراض أمنية وعسكرية تهدف، حسب نص القرارات، إلى حماية الأمن القومي. يملك الجيش نسبة تقارب 48 في المئة من الأراضي في فلسطين المحتلة لأغراض أمنية وعسكرية، له الحق المُطلق في إدارتها واستخدامها في المشاريع الاستثمارية التي تعزز من سيطرته الأمنية على البلاد، أو يمنح هذه الأراضي لليهود المُهاجرين إلى دولة الاحتلال، وكذلك الترخيصات اللازمة للبناء سريعًا.

استحواذ الجنرالات على هذه الأراضي مكنهم من تنفيذ عدد من المشاريع الاستيطانية التي تستهدف تشريد الفلسطينيين من أراضيهم الأصلية، حيث أسس مشروع "برافر" العنصري الذي يهدف إلى تشريد 80 ألف فلسطيني في النقب، والاستحواذ على ما يقارب من 800 ألف دونم (وحدة لقياس مساحة الأرض)، وهدم 38 قرية فلسطينية.

تُدرك دولة الاحتلال أن مناهج التعليم، هي إحدى أدوات السيطرة الكبرى لتأصيل مفهوم الحرب الدائمة التي تعيشها الدولة بما يستدعي العسكريين فيها إلى زرع النزعة العسكرية في مناهج التعليم والتربية بكافة مراحله، في مرحلة رياض الأطفال، ترتبط الأيام الترفيهية بأعياد جيش الاحتلال، التي يتم فيها دعوة الأب والإخوة الجنود بزيهم العسكري إلى الاحتفالات، للتأثير نفسيًّا وإيجابيًّا على الأطفال وزرع النزعة العسكرية والجيش فيهم بشكل طبيعي. كما تقوم المؤسسات التعليمية بعرض دوري للسلاح والذخيرة على الطلاب في المراحل الأساسية في مؤسسات التعليم، ويتم تنظيم جولات لمعسكرات الجيش على جبهات الحدود.

"المدرس الجندي" و"البرنامج الإرشادي للشباب"، هما ضمن البرامج المُعتمدة في المدارس، كمواد تعليمية أساسية للطلاب في كافة مراحلهم التعليمية، والتي تتولى تدريب الجنود الإسرائيليين كمدرسين بعد انتهاء الخدمة، والتركيز على فئة المهمشين اجتماعيًّا وعلميًّا لتأهيلهم للانخراط في الجيش. ويمتد منطق العسكرة الحاكم لنموذج الحُكم في دولة الاحتلال، إلى الحياة اليومية للمدنيين بالأراضي المحتلة، بحيث تصير طريقة تفكير مسيطرة على المواطنين، وتظل فكرة الحرب هي الهاجس الذي يطارد السكان الأصليين بشكل يومي.

تمتد سطوة الجنرالات الإسرائيليين إلى وسائل الإعلام والصحافة، حيث تُعين وزارة الجيش عددًا من المراقبين العسكريين، تتمثل مهامهم في مراقبة المحتوى المنشور فيها، والتأكد من انتماءات الأجانب واليساريين عند السفر من المطار.

يقول الرقيب السابق في جيش الاحتلال دوتان غرينفايلد: إن عسكرة المجتمع الإسرائيلي تؤدي إلى طريق مسدود، وأن التشدق باعتبار (إسرائيل) الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط مجرد وهم وبدعة.

كل هذه المظاهر العسكرية لمجتمع المستوطنين والوافدين إلى فلسطين المحتلة، ثم يتشدق البعض بكون من يتعرض للطعن بأنهم مجرد مواطنين مدنيين آمنين لم يعرفوا السلاح أو العنصرية أو ينتموا إلى مؤسسات عسكرية أو أمنية متغلغلة في كل مرافق المجتمع الإسرائيلي!