تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بكم هائل من الصور ومقاطع الفيديو والتي قد تشكل في أحيان كثيرة محورا لقصص خبرية مهمة يمكن لوسائل الإعلام الاستفادة منها، لكن هل يمكن الوثوق بصحة تلك الصور ومقاطع الفيديو؟ وهل يمكن أصلا التحقق من صحتها؟
يتوجب على الصحفي ألا يفترض مطلقا أن ما تم الحصول عليه هو مادة أصلية، فمن الضروري قبل كل شيء وضع فرضية أن المادة ربما تكون غير صحيحة، وتم التلاعب بها لتحقيق أهداف معينة.
ولذلك تكون الخطوة الأولى والأكثر أهمية هنا هي البحث عن المصدر، والتواصل معه ما أمكن، سواء عبر الهاتف أو سكايب أو حتى البريد الإلكتروني، ويحقق ذلك هدفين في وقت واحد، فمن ناحية يمكن سؤال المصدر عن خلفيات اللقطات التي صورها، كما من ناحية أخرى يمكن طلب الموافقة على حق النشر.
طرح الأسئلة
إذا أمكن الوصول إلى المصدر، يجب طرح العديد من الأسئلة عليه لمعرفة إن كان على صلة مباشرة بالموضوع أم أنه يحاول تمرير مادة مخادعة. فيمكن مثلا التحقق من المكان عن طريق سؤاله عن معالم وأسماء الشوارع والتحقق من أن الشخص يعرفها، ثم التثبت منها عبر الإنترنت.
كما يمكن طرح أسئلة بسيطة على المصدر مثل: كيف الطقس اليوم؟ فإن كان الرد أن الشمس مشرقة بينما النشرة الجوية تشير إلى أمطار فلا بد أن يكون هناك خطب ما؟
إلى جانب طرح أسئلة على شاكلة: أين جرى تحميل المادة أولا؟ ومتى جرى تحميلها؟ وهل يمكن التحقق من هوية المصدر عبر حساباته المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا لم تتمكن من الحصول على إجابة شافية عن هذه الأسئلة، لأنها قد تتيح التعرف على هويات الأشخاص بشكل يعرض حياتهم للخطر، يمكن ساعتها اللجوء إلى التحقق التقني من الفيديو والصور.
التحقق التقني
يستطيع الفنيون بمهاراتهم وخبراتهم معرفة إن كان تم التلاعب بصورة معينة بواسطة برنامج مثل فوتوشوب، كما يمكنهم التأكد من الصورة من خلال عملية بحث عكسية بالاستعانة ببرنامج "تن آي" (Tineye) الذي يقارن الصورة بصور أخرى شبيهة.
كما تقدم غوغل خدمة تعرف بالبحث العكسي عن الصورة، والتي تتم إما من خلال كتابة وصف للصورة أو رفع الصورة المطلوبة للبحث عن صور أخرى شبيهة، فلربما تظهر لك الصورة الأصلية التي تم التلاعب بها لتبدو بالشكل الذي ظهرت به على مواقع التواصل، كما يمكن أن تظهر الصورة بتاريخ قديم مما ينفي أن تكون على صلة بالتاريخ الذي أشار إليه مصدرها.
لكن أداة "غوغل صور" لا تصلح للبحث عن الفيديو، ولذلك يجب الاستعانة بأدوات أخرى، وقد طورت منظمة العفو الدولية على سبيل المثال، أداة تسمى "معاين بيانات يوتيوب" (youtube datatviewer) تسمح بالتحقق من صحة الفيديو المنشور على موقع يوتيوب، من خلال كتابة رابط يوتيوب للفيديو في خانة البحث للعثور على نتائج مشابهة.
لكن هذه الأداة تعاني من قصور، فهي تفيد في حال تم نشر الفيديو الذي تود التحقق منه في تاريخ غير التاريخ المعلن عنه بوسائل الإعلام، لكن إذا قام أحدهم بتعديل الفيديو ولو بشكل طفيف، كحذف بضع ثوان منه، فإن الأداة ستعجز عن العثور عليه.
إن عملية تركيب الصور أو الفيديوهات بشكل مقنع وقابل للتصديق ليست أمرا سهلا وقد تكون عملية معقدة جدا في بعض الأحيان، وغالبا ما يسهل اكتشاف التلاعب من خلال ظهور خلل في النسب والأحجام في الصورة أو عدم وجود ظلال للأشخاص أو غير ذلك، ولذلك يلجأ بعض المخادعين إلى "تقنية" بسيطة جدا، حيث ينشرون صورا قديمة على مواقع التواصل ويعزلونها عن سياقها الأصلي وربطها بأحداث أخرى.
وهنا يمكن استخدام خدمة "غوغل ستريت فيو" أو "بانوراميو" على سبيل المثال للتحقق من معالم الشوارع أو أعمدة الإنارة أو المعالم الأساسية، فحتى لو لم تكن لديك أي معلومات محلية عن المكان، فإن الخدمتين السابقتين تتيحان التحقق من أن المكان هو بالفعل المقصود، فليست كل الأماكن متطابقة.
إلى جانب ذلك، فإنه عند التقاط صورة عن طريق آلة تصوير أو هاتف ذكي فإنها تحتفظ ببيانات تحمل معلومات عنها كتاريخ التقاطها ونوع الكاميرا، ويتم استخراج هذه البيانات بالنقر بالزر الأيمن على الصورة ثم اختيار "خصائص" أو يمكن اللجوء إلى أداة "جيفري إكسيف فيور" لاستخراج تلك البيانات.
لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الطريقة غير كافية، حيث غالبا ما تختفي هذه البيانات عندما يتم نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، كما ستتغير البيانات إذا تم تعديل الصور الأصلية باستخدام فوتوشوب مثلا، ولا يفيد في هذه الحالة سوى الحصول على الصورة الأصلية، ومع ذلك يمكن لصاحب الصورة تعديل تلك البيانات بتغيير تاريخ الصورة أو مكان التقاطها.
إن تحليل الصورة بالعين المجردة يغني في أحيان كثيرة عن التحليل التقني، حيث يمكن من خلال دراسة عناصر الصورة معرفة إن كانت أصلية، وتشير للتاريخ والمكان المقصود، أم أنها قديمة وتم التلاعب بها، مثل: هل حالة الطقس لحظة التقاط الصور مطابقة للأرصاد الجوية السائدة في تلك الأيام؟ وهل الظلال مطابقة لوقت التسجيل؟ وهنا يبرز ما يسمى الحس الصحفي.
ومثلما تعتبر مواقع التواصل مصدرا للصور والفيديو المفبركة فإنها أيضا مصدر لكشف التلاعب في تلك المواد، حيث يمكن دائما اللجوء إلى مواقع التواصل للبحث عن موضوع الصورة أو الفيديو فلربما تجد أن نشطاء كثرا قد اكتشفوا التلاعب فيها وفضحوه في مشاركاتهم.