ان تسافر الى الخليل او الى بيت فجار او الى مخيم العروب، او الى بيت امر انتبه جيدا عندما تمر من مفترق عتصيون العسكري، لا تحرك يداك، لا تسعل، لا تنظر ، لا تأخذ شيئا وقع منك على الارض، سر بهدوء في مركبتك، لا تصدر اصواتا او تعليقات، لأنك في ساحة الاعدام السهل السريع، وقد تكون صيدا للمستوطنين على جانبي هذا المفترق او الدوار، او لذلك الجندي القناص الذي حظي بجائزة وتقدير من حكومة اسرائيل لأنه اجاد قتل واعدام الفلسطينيين باتقان شديد.
الجندي (البطل) الذي يعمل في لواء المشاة (كفير) والذي عرف انه صاحب سجل طويل من التنكيل بالفلسطينيين في الخليل، وقد قتل هذا الجندي ثلاثة فلسطينيين على مفترق عتصيون ببرودة اعصاب كان آخرهم الشهيد مالك الشريف.
انت في مفترق عتصيون في جنوب بيت لحم، إما مقادا الى المعسكر القريب ، وهو معسكر للجيش في داخله سجن، مكون من اربع غرف صغيرة ضيقة وزنازين بائسة جدا وغرف للمحققين، ودائما يكتظ بالمعتقلين، وإما مقادا الى الموت، كما حصل مع العشرات من الشبان والشابات الذين سقطوا شهداء برصاص جنود الاحتلال على هذا المفترق.
انت في مفترق عتصيون العسكري، هو تجمع استيطاني متصاعد، وامتداد لما يسمى القدس الكبرى، صودرت اراضيه وينابيعه واشجاره، ولم يبق من رائحة القرى المنهوبة والمجروفة وآثار الاجداد والقادة الذين مروا من هناك شيئا ، لا ترى غير مستوطنات كبيرة تمتد مساحتها من مستوطنة معاليه ادوميم شرقا حتى قرية الولجة غربا، ومن حاجز قلنديا حتى مستوطنة عتصيون جنوبا.
على مفترق عتصيون العسكري تتحصن وحدة ( شمشون) الاسرائيلية، تحرس المكان، وعندما مرّ الشهيدان عز الدين ابو شخيدم وشادي دويك بالقرب منها، اطلقت عليهما النيران، وحسب المحللين الاسرائيليين فإن حالة هوس امني وخوف وهستيريا اصيبت بها هذه الفرقة الى درجة انها تطلق النار على اي شيء عندما يلمع في عقلها الباطني ضوء سكين.
على مفترق عتصيون العسكري، اطلقت الرصاصات على الاسيرة امل طقاطقة، سقطت مصدومة تنزف الدماء على الارض ، وعندما استيقظت في المستشفى لم تتوقع انها نجت من هذا الهجوم المفاجيء عليها، كأن معركة حطين قد عادت من التاريخ الى هذا الموقع، وخشي قادة تل ابيب ان يصل لواء حطين وكتيبة عبد الله بن رواحة الى مشارف القدس.
على مفترق عتصيون العسكري يتم اعدامك بسرعة بتهمة محاولة طعن او دهس او بسبب الاشتباه كما يقول دائما جيش الاحتلال وقادته العسكريين، تبقى جثة الشهيدة او الشهيد على الارض تنزف الدماء، يلتقطون الصور، يهتف المستوطنون فرحا ويرقصون ويبقون فوق الجريح حتى يلفظ انفاسه، وأن لم يمت يزج في المعسكر القريب، ربما تصل سيارة الاسعاف.
على مفترق عتصيون العسكري... دهشة للموت، اعدامات دون سابق انذار، قتل ميداني خارج نطاق القضاء كما يقول الحقوقيون، دماء تسيل وتملأ وجه اكثر من 22 مستوطنة تحيط بالمكان، ودماء تغسل التراب تحت الزيتون الروماني القديم المصادر من قبل قوات الاحتلال، ودماء على الاسفلت يراها المعتقلون المحتجزون في البرد الشديد في ذلك المعسكر وهي تمتزج بالطين والماء.
على مفترق عتصيون العسكري، انت رهينة للحظ، او لمزاج ذلك الجندي او المستوطن، حياتك متوقفة على الحالة النفسية لهم، ولأنك فلسطيني فأنت تجربة اختبار لتدريب امني او عسكري قد يحدث امامك وعلى جسدك مرة واحدة.
على مفترق عتصيون العسكري، يجب ان تتوقف ، إما ان تعود ولا تصل الخليل، لأن المفترق قد اغلق، وتم فصل الجنوب عن الوسط والشمال،وعليك تأجيل المواعيد، وإما ان تبقى ساعات ما بعد منتصف الليل، حتى يؤشر لك ذلك الجندي بفوهة بندقيته للمرور او للموت.
على مفترق عتصيون العسكري، حيث الموت والاهانات والاذلال، ترى فلسطين كلها في قفص جغرافي وسياسي، جسدها طرزته اسماء الشهداء، تقف على رأسها حواجز عسكرية وتنتشر فوقها آلاف المستوطنات، لا بحر ولا جبال ولا هواء، جدار يغلق عليها الحياة وضوء الشمس، وما بينها ظلال جيل فلسطيني تمرد بدمه على السجن والسجان وشوك الاسلاك.
على مفترق عتصيون العسكري، تحتار اين ستأتيك الرصاصة، في الرأس، في الرقبة، في الصدر، في القلب، في القدمين واليدين، ويشتعل جسمك عندما تكتشف انك في عيونهم لست آدميا ، ولا كائنا بشريا، انت خارج الانسنة، لا لغة لك، ولا كلام ولا كوشان ميلاد ،لا هوية ولا عائلة.
على مفترق عتصيون العسكري، تأتيك رائحة البلوط واللوز والزعتر، وتشاهد بيتا لعائلة عابدة، صامدا تحيط به المستوطنات كذئاب جائعة، وتشاهد دالية سيجها المستوطنون واحتلوا قطوفها الدانية، وتشاهد حاخاما مسلحا يفتش في الصخور عن اقدام اجداده التائهة.
على مفترق عتصيون العسكري، تتذكر فورا انك كنت حيا قبل ساعة، وربما تكون ميتا بعد ساعة، كنت مع الاولاد في البيت قبل قليل، وقد لا تعود الى البيت بعد قليل ، انت في المسافة الرمادية بين الدنيا والآخرة.
على مفترق عتصيون العسكري، يركض اولاد مخيم العروب هاربين من هستيريا المستوطنين، ويسأل المؤرخ : كم مرة سيهرب اللاجئون؟؟ يختباون في خيمة او في مخيم او في مذبحة، ويستنتج المؤرخ ان دولة اسرائيل تريد اعدام الذاكرة.
على مفترق عتصيون العسكري، عليك ان تدور حوله وتدور حولك عيون نافرة، كاميرا ترصدك، قناصة متاهبون على يمينك ويسارك، انت عاري امام المجهول، يفور دمك كثيرا حتى تكتمل عليك الدائرة.
على مفترق عتصيون العسكري، اعدم الجنود الاسرائيليون حمزة موسى العملة، احتجزوا الجثة اياما، ولما عادت في الليل وجد الناس في حدقات عينيه احلاما تشع، وقوس قزح يمتد من الجليل حتى رفح ، ومن القدس حتى الناصرة.
على مفترق عتصيون العسكري تسمع صراخ اسرى محتجزون في المعسكر، اسرى غرزت الكلاب انيابها في اجسادهم، اسرى تعرضوا للضرب والتعذيب، شبحوا في البرد والحر، لم يصل الصليب الاحمر ولا اتفاقيات جنيف الرابعة.
على مفترق عتصيون العسكري، اعدم الجنود اسامة ابو جندية ، وضع يده تحت خده ونزف حتى استشهد هادئا مطمئنا في ذلك الصمت، ورأى الناس روحا تخرج من طبقات الارض تحمل غيوما الى سمائها السابعة.
على مفترق عتصيون العسكري متسع لاغنيتين
واحدة تقول: انا الكفن
واخرى تقول تعبت من الرحيل
لا انتظر دقيقة او دقيقتين