كتب - مؤمن بسيسو عوضاً عن قيمتها المعنوية الرفيعة ودلالاتها السياسية البالغة لغزة المحاصرة وأهلها المنكوبين، فإن زيارة أردوغان المرتقبة –إن تمت- تشكل ضربة معلّم تركية في وجه السياسة الإسرائيلية والأميركية في المنطقة. للمرة الأولى في تاريخ الحصار المفروض على غزة، والممتد منذ ما يزيد عن خمسة أعوام، يعلن رئيس وزراء دولة وازنة في المنطقة بحجم تركيا نيته زيارة القطاع الذي لا يجرؤ أحد على الاقتراب من حكومته المعزولة سياسياً واقتصادياً بقوة فجور السياسة الإسرائيلية والأميركية والأوروبية الرسمية. من المبكر الجزم بتحقق الزيارة بشكل قطعي، فالأمر دونه كثير من المساومات السياسية بين تركيا و(إسرائيل)، لكن مجرد إعلان الزيارة يمنح حركة حماس وحكومتها قوة دفع كبرى، داخلياً وخارجياً، ويضخّ في شرايينها مزيداً من القوة والثبات في وجه السياسة الدولية الراهنة. قد تلعب السياسة لعبتها، والسياسة قائمة برمتها على المصالح، وتجعل من موضوع زيارة أردوغان لغزة ورقة مساومة قوية في يد القيادة التركية لإجبار (إسرائيل) على الاعتذار وتعويض أهالي ضحايا سفينة مرمرة، لكن ذلك لا يلغي –بحال- الدور التركي المشرف في إسناد الفلسطينيين ومؤازرة قضيتهم في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. أياّ كان الأمر، وسواء تمت الزيارة أو لم تتم، فإن حماس وحكومتها رابحة ربح من تتكرس شرعيته السياسية والانتخابية في وجه جهود العزل الدولية التي أحالت حياة غزة وأهلها إلى جحيم لا يطاق. تركيا –أيضاً- رابحة على كلا الوجهين، فإن رضخت (إسرائيل) لمنطق الاعتذار والتعويض فإن تركيا تكون قد حققت انتصاراً دبلوماسياً واضحاً على السياسة الإسرائيلية المتغطرسة، وإن تمت زيارة أردوغان لغزة فإنها تكون قد حققت اختراقاً إضافياً ذا بُعد استراتيجي لسياستها الخارجية على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي. الإعلان عن نية الزيارة يوجه صفعة قوية لـ "العالم المتحضر" الذي ترسم ملامح سياساته ومواقفه اللجنة الرباعية الدولية تجاه القضية الفلسطينية، والذي لم يجد حرجاً في فرض حصار بشع ولا إنساني على قطاع غزة، متنكراً للقيم والمبادئ الديمقراطية التي أفرزت الحالة السياسية الراهنة في فلسطين، بشكل دفع الفلسطينيون ثمنه غالياً، دماً ومعاناة وانقساماً. أردوغان ليس نبياً أو ملاكاً يمكن تقديسه سياسياً، ولا يمكن أن نتوقع منه الكثير مما فشلنا في إنجازه كفلسطينيين أولاً، وكعرب ثانياً، لكنه يبقى منسجماً مع قيم العدالة والحرية وأخلاق السياسة النظيفة على الأقل، ويتعذّر أن نراه مستنكفاً عن أداء واجبه الديني والإنساني والأخلاقي قياساً بغيره من القيادات العربية والإسلامية الرسمية التي باعدت حساباتها الشخصية واعتباراتها السياسية بينها وبين قضية الأمة المركزية، وجعلت منها ألعوبة تحركها مزاجات واتجاهات السياسة الغربية. ربحت حماس وتركيا الجولة بامتياز.. ولا عزاء للخاسرين.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.