من المفروض، ومن العرف السائد في العلاقات السياسية أن الجديد يجب القديم، وينسخه إن لم يحل محله، وقد استخدم الشهيد أبو عمار اللفظة الفرنسية "كادوك" ومعناها متقادم، للتأكيد على تخليه عن الميثاق الوطني الفلسطيني، مقابل الرضا عن سياسته، وإشراكه في اللقاءات الدولية. وقد بات من المعروف أن انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني جاءت بعد عام من انتخابات الرئاسة الفلسطينية، بمعنى آخر؛ لقد جبت أغلبية المجلس التشريعي الأغلبية التي حصل عليها الرئيس، وطالما كان مزاج الشاعر الفلسطيني يتغير وفق المستجدات السياسية، فإن الشعب الذي أعطى الأغلبية للرئيس سنة 2005، هو نفسه الشعب الذي نزع الثقة عملياً، وأعطى الأغلبية لأعضاء المجلس التشريعي بعد عام. رجعت إلى تاريخ الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة كي أرد على بعض المسئولين الفلسطينيين الذي يكررون القول بعدم حاجة رئيس الحكومة الفلسطينية التوافقية لثقة المجلس التشريعي، وكي أحذر من خطورة ذلك، وما له من دلالة سياسية تمثل في: أولاً: إن القفز عن الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، وإلغاء نتائجها، هو الهدف ذاته الذي سعى إليه بعض المسئولين من خلال عدم المشاركة في حكومة الأغلبية، وشجع على الانفلات الأمني في حينه كي يفسد نتائج الانتخابات، واعتمد سياسة قطع الرواتب، وقرع الطناجر، كي يظهر غباء الناخب الفلسطيني، وعدم صحة اختياره لأعضاء المجلس التشريعي، فلما عجز عن تحقيق أهدافه بشكل مباشر، نراه اليوم أكثر إصراراً على إلغاء نتائج انتخابات المجلس التشريعي ولكن بطريقة التفافية . ثانياً: إن القفز عن ثقة المجلس التشريعي معناه العودة إلى نظام تعيين الوزراء وفق المزاج الخاص، لإرضاء خاطر الأشخاص والتنظيمات على حساب الوطن، ومعنى ذلك هو التفرد في الحكم، وصناعة الأزلام، وهو الشكل المقيت من التسلط الذي ثار ضده السيد عباس نفسه، وقد نجح في حينه مدعوماً بالمال الأمريكي والغربي في الفصل بين رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة، وصار رئيساً للوزراء فترة من الزمن رغم أنف أبي عمار. لقد نسي بعض المسئولين أن القفز عن المجلس التشريعي، وإلغاء نتائج الانتخابات عملياً من خلال تعطيل جلسات المجلس، لقد نسي أولئك أنهم بذلك يلغون منصب الرئاسة الفلسطينية، ويعطلون قراراتها قانونياً، حتى وإن كانت نافذة المفعول بحكم الأمر الواقع. إن جميع الفلسطينيين يتطلعون إلى نجاح اجتماعات المصالحة في القاهرة، ولكنهم يتمنون أن يظل المجلس التشريعي عنواناً للشريعة الفلسطينية، وأن يظل هو صاحب الحق في منح الثقة لأي حكومة، وهو المكلف من الشعب بسحب الثقة عن أي حكومة لا تسير وفق هوى الشعب، حتى ولو كان رئيسها لفترة انتقالية السيد محمود عباس.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.