25.56°القدس
25.08°رام الله
24.42°الخليل
27.38°غزة
25.56° القدس
رام الله25.08°
الخليل24.42°
غزة27.38°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

انتفاضة القدس.. اللوحة الإنسانية والحاضنة الشعبية

جبريل عودة
جبريل عودة
جبريل عودة

وتستمر انتفاضة القدس، ويؤكد شبابها بدمائهم الطاهرة على استمراريتها في مواجهة الصلف والغطرسة الصهيونية والانحياز الأميركي السافر, مع كل يوم يتجدد الفعل الانتفاضي والذي يبدد أحلام الصهاينة بأن هجمتهم الشرسة وقمعهم الإرهابي سيوقف هذه المسيرة الوطنية الظافرة, وتزهر انتفاضة القدس في كل صباح عن لوحة من الإعجاز النضالي, تبهر المتابعين الذين يعجزون عن فك رموزها الفلسطينية العريقة, والتي تتشكل من مزيج رائع لمكونات المخزون الثوري الفلسطيني الذي لا ينضب, بل يتجدد في كل المناسبات الفلسطينية والمحطات التاريخية الفاصلة , ويبقى شعبنا مستودعا للوفاء والتضحية , ومثالاً حياً لنماذج الفداء للأوطان والمبادئ , ولو كلف ذلك إفناء الروح أو الجرح أو الأسر , فإن تلك الجراحات التي تصيب النفس والجسد , بمثابة الزاد الذي يصل بأجيالنا الفلسطينية نحو الكرامة والتحرر والانعتاق من الاحتلال الصهيوني , وإزالة الظلم التاريخي الواقع على شعبنا وأرضنا الحبيبة . 

يبكي الحرف وتدمع الكلمات حين نتحدث عن شهدائنا في انتفاضة القدس , وقد رسموا جرحاً عميقاً لن يدمل إلا بهزيمة المحتل وطرده من أرضنا , من بين ثنايا الأحداث المتلاحقة على أرض فلسطين , وتعاقب الأخبار العاجلة وتسارع العمليات البطولية , وتنوع منفذيها ما بين شبان وفتيات, من وراء ذلك تتشكل لوحة وطنية زاهية حزينة معتزة فخورة , باكية منتصرة بدموعها صامدة متمسكة بثوابتها, لوحة إنسانية فدائية، لوحة منتفضة, وكأنها نبضات كهربائية تعيد للقلب دقاته , وتكتب للضمير الإنساني أن هنا في فلسطين شعبا يعشق الحياة ويصنعها من بين الموت الذي يحاصره ببنادق المحتلين . 

وحكايات الشهداء تروي لنا تفاصيل أعمق ترسخ مبدأ رفض التعايش مع المحتل الذي يروج له البعض, وتؤكد على ضرورة العمل على إزالة الاحتلال بالكفاح المسلح, فهذا العدو لا تردعه إلا لغة القوة, حكاية فادي علون شهيد الفجر في قدس الأقداس الذي تربى بعيداً عن أمه التي منعها الاحتلال من العودة للقدس بعد سفرها لأهلها في الأردن , وتربى الشهيد في حضن والده وبرعاية عمته , فأي ظلم هذا إبعاد الأم واستشهاد الابن ؟ ! الشهيد محمود سعيد عليان 20 عاماً من بلدة عناتا شمال القدس المحتلة ولقد انتظرت والدته 30 عاماً لإنجابه , وهو وحيد أمه تربى يتيماً بعد وفاة والده في صغره, وهل نقبل مساومة على هذه الدماء الغالية ؟ ! 

الشهيد معتز زواهرة من مخيم الدهيشة ببيت لحم كان لاعب كرة قدم، شابا مقبلا على الحياة , تمكن من الإقامة في فرنسا إلا أن الشوق والحنين للوطن انتزعه من باريس ليرتقي شهيدا برصاص الاحتلال , لن نبيع تلك الدماء بالهدوء، فالغضب يغلي في القلوب ؟! الشهيدة الطفلة هديل عواد من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة , كانت تحلم أن تكون طبيبة وهي المتفوقة بدراستها إلا أن استشهاد أخيها محمود ترك أثراً كبيراً في نفسها حتى لحقت به شهيدة برصاص الجنود والمستوطنين في عملية إعدام ميداني , هذا ثأرنا قائم لن نغمد له السيف وسنعجل له بالقصاص , الشهيد إبراهيم سمير إبراهيم إسكافي 22 سنة من مدينة الخليل الثائرة , كان يملك محل حلاقة ويجهز نفسه للزواج , فأقدم الشهيد على تنفيذ عملية دهس على مدخل الخليل , فأوقع قتلى وجرحى في صفوف جنود الاحتلال , هل بعد ذلك تضحية وفداء ؟! الشهيدة رشا عويسي 23 عامًا من مدينة قلقيلية، كانت تجهز نفسها لتزف لخطيبها خلال شهر, إلا أن إجرام المحتل ضد المسجد الأقصى والإعدامات الميدانية , وضعتها أمام خيارات عدة فكان خيارها الانتقام لقضيتها والثأر لشعبها , ولعل وصيتها لأهلها تبوح بذلك حيث قالت فيها "سلكت هذا الطريق بكامل وعيي دفاعًا عن وطني والشباب والبنات، لم أعد أحتمل ما أرى، ما أعرفه هو أنني لم أعد أحتمل".

هذه حرائرنا تصيغ بالدم إستراتيجية المواجهة حتى التحرير, الشهيد فادي الخصيب من قرية عارورة شمال رام الله يلحق بأخيه الشهيد شادي بعد خمسة أيام من استشهاده , وعلى نفس الحاجز الصهيوني وربما برصاص نفس الجنود الذين أطلقوا الرصاص على أخيه شادي , في إمعان صهيوني في القتل والإجرام بحق شبابنا الفلسطيني , والشهيد أحمد طه منفذ عملية الطعن والتي قُتل فيها جندي صهيوني في مغتصبة مودعين قرب رام الله, هو يتيم ويعيل أسرته إلا أن ظلم المحتل الصهيوني , لم يترك لشبابنا أي مجال للتفكير بمقاومة الاحتلال دفاعاً عن المقدسات والوطن, وكذلك الفتاة حلوة حمامرة من قرية حوسان قرب بيت لحم , هي متزوجة وأم لطفين أخرجها ظلم الاحتلال للثأر لشعبها بسكين مطبخها , والشاب محمد الحروب منفذ عملية عتصيون يملك محلا لبيع الذهب في العيزرية, اشترى بندقية عوزي بماله الخاص للرد على جرائم الاحتلال ومستوطنيه ضد أهل الخليل فأوقع فيهم القتلى والجرحى على مفترق مجمع عتصيون الاستيطاني شمال الخليل .  

وخلف هؤلاء الأبطال عائلات مؤمنة ملتزمة بالوطن وتحريره , تربي أبناءها على حب الأقصى وفلسطين, تصنع في بيوتها جيش التحرير القادم , وترسم في تربيتها المنزلية خريطة الوطن بلا نقصان , مطرزة في قلوب الأطفال كأحلى نقش وأجمل صورة , وتغني الأمهات لصغارها في سرير النوم عن بطولات الأجداد وسعيهم للدفاع عن الأرض وبطولات الآباء في مقاومة المحتل ,هذه إذاعاتنا بعيداً على قرارات ما يسمى بوقف التحريض التي يفرضها الأمريكي عبر اتصال هاتفي !, وتحكي لنا الجدات قصص الصمود في قرانا وبلداتنا في مواجهة العصابات الصهيونية ,وكيف ارتكبوا المجازر والذبح لتهجير الفلسطينيين وسرقة أرضهم, هذه هي مناهجنا الوطنية في بيوتنا التي لن تصل لها اتفاقياتهم الملعونة , التي تحاول إعادة تكوين العقلية الفلسطينية بما يتناسب مع مخطط سرقة الوطن وشرعنته لصالح الكيان الصهيوني . 

في البيت الذي أخرج الشهيد خالد جوابرة من مخيم الفوار بالخليل ,وقفت ربة هذا البيت شامخة في جنازته , وهي تنادي بتحرير فلسطين من المية إلى المية , ورسالتها أن أبناءنا غالون علينا, ولن نترك أن يذهب دماؤهم سدى , بل ثمن تلك الدماء سيكون تحرير فلسطين كاملة , هو ذاته البيت الفلسطيني المقاوم الذي تخرج منه البطل محمد الحروب منفذ عملية عتصيون , فلقد جاوبت أم محمد الحروب الضابط الصهيوني الذي اقتحم بيتها "ابني محمد بطل ورفع رأسنا عاليا , وسيخرج من سجنه مثل الأبطال الذين نفذوا عمليات من قبله وتحرروا من السجن , وعندما أراد الاعتداء عليها قالت له ارفع يديك أم البطل لا أحد يضربها , وكذلك هي القلعة الفلسطينية التي أنبتت الزهرة أشرقت قطناني في مخيم عسكر بنابلس , وكيف أن والدها قال بكل جراءة ابنتي أشرقت خرجت لتنفيذ عملية لقتل المحتلين على حاجز حوارة , وهذه السكين هي سكين مطبخنا , وأنا فخور بابنتي وبعملها المقاوم . 

هنا يتضح أن تلك الانتفاضة لديها الحاضنة الشعبية ,اللازمة لاستمرارها والجاهزة للدفاع عنها في مواجهة مؤامرات الاستهداف والإجهاض , وأن شعبيتها من عوامل ديمومتها , وأن الفعل الثوري المتزايد عبر عملية الدعس والطعن يشكل استعداداً لما هو قادم ,وأن الانتفاضة تأخذ مداها الطبيعي نحو التطور المتصاعد في الكم والكيف , لن يستطيع الاحتلال أن يتغلب عليها أو يوقفها بقمعه . 

الشبان الأبطال المنتفضون وخاصة منفذي العمليات الفردية لم يخرجوا عبثاً أو لعباً , بل كان الهم الوطني يملأ قلوبهم وعقولهم , فلم يعد أمامهم إلا خيار مقاومة الجلاد والانتفاض في وجه المحتلين, والدفاع عن الأقصى وفلسطين بأرواحهم ودمائهم, وهذا ما يعزز إيمان الجماهير الفلسطينية بأن الانتفاضة هي السلاح وأن استمرارها واجب على الكل الفلسطيني حفاظاً على وصايا الشهداء واستكمالاً لمسيرة التحرير بإذن الله .