قال خربوش وهو يضحك: الحمد لله على السلامة! لو كنت تسمع كلامي لنجوت من بحار الألم التي غرقت سفينتك فيها يا عبد الرحمن! تعتقد أنك أبو المفهومية وحكيم زمانك، ما جلبت لك حكمتك إلا المتاعب. قال عبد الرحمن وفرحٌ روحي يملأ جنباته: الانعجان الإيجابي بالخير والحرقة على صموده وأستاذيته وانتشاره سمت الأنبياء والصدّيقين. فالحكمة ليست يا صاحبي حكمتي والمفهومية ليست مِلكاً خاصاً لي، أنت برؤيتك التي تنصحني بها حكيم وصاحب رؤية أيضاً... قال خربوش مقاطعاً: ما أجملك وأنت تعترف بفضلي عليك! قال عبد الرحمن: لو تبنّى نوح عليه السلام حكمتك لاختصر سنوات العمر الطويلة!، ولو آمن محمد عليه الصلاة والسلام بما تقول لهزمه عام الحزن، وطوته أوجاع الطائف، وقاذورات أبو جهل. قال خربوش بأسف: ما زلت تكابر! قال عبد الرحمن بثقة: مشكلة الكثيرين أنهم ينظرون إلى فصول الحكاية التي يرونها الآن ولا يقرؤون الفصول القادمة، اقرأ فصول الحكايات مكتملة، ولعل حكاية محمد صلى الله عليه وسلم أقربها إليك، مخطئ من توقف بها عند عام الحزن، أو عند معركة أحد، أو عند وفاته. قال خربوش: هؤلاء أنبياء! لكن ارجع إلى فصول حكاية عمر المختار الذي مات ولم يكحّل عينيه بحريّة الوطن، التي قاتل من أجل تحقيقها! انظر إلى سعد زغلول الذي قال على فراش الموت وفي اللحظات الأخيرة من عمره "مفيش فايدة!". قال عبد الرحمن: حكاية "مفيش فايدة" حكاية مدعاة... ومعركة الإنسان في حياته الأولى معرضة لخاتمتين، لكن الخاتمة الكبرى تكون في الآخرة يوم الحساب وما بعد الحساب في الجنة أو في النار. قال خربوش وهو ينفجر ضاحكاً: أريد الجنة بأسهل الطرق!. قال عبد الرحمن بحنان: المسألة ليست بتلك البساطة، لست أنت من يحدد طبيعة الامتحان، ولا أنت من يدقق الإجابات، ولا أنت من يحدد بالتالي حجم النجاح أو الرسوب. الحكيم من عمل في شبابه قبل شيخوخته ومرضه قبل صحته، إن الخمول يورث الضعف والفساد، مثلما حدث لسمك اليابانيين!. قال خربوش: وكيف كان ذلك يا بيدبا الفيلسوف؟! أقصد يا عبد الرحمن! قال عبد الرحمن: حدث ذلك يا دبشليم عندما امتنع السمك عن شواطئ اليابان التي تعتمد عليه بشكل أساس في منظومتها الغذائية، فصنعوا السفن الكبيرة والثلاجات الضخمة فيها، لحفظ السمك المجلوب من مسافات بعيدة تحتاج رحلة العودة من صيده إلى أيام وأسابيع، لكن السمك المجمّد لم يعجبهم كثيراً، فبنوا أحواضا ضخمة في سفنهم الكبيرة، يحفظون فيها السمك حيّاً، لكن تزاحم السمك في الأحواض الضيقة قياساً إلى حجم الصيد الكبير أوجد الخمول لدى السمك مما غيّر طعمه، فاحتار الصيادون لكنهم لم يقولوا "مفيش فايدة"، بل لجؤوا إلى فكرة وضع فرخ سمك قرش في كل حوض، مما ضمن حراكاً وحيويةً ونشاطاً للسمك الهارب من فكيّ القرش! خسر الصيادون بعض الأسماك، لكنهم ربحوا سمكاً يتمتع بنشاط وحيوية، يحافظ على الطعم المفضل للسمك الطازج!!! قال خربوش: فهمت، أنت تريد أن نكون مثل الصيادين، لا نعرف اليأس!. قال عبد الرحمن: أو أن نكون -مع الفارق في التشبيه- مثل السمك الموجود في أحواض السفن، الذي أورثه الخمول فساداً، وأعادته التحديات المتمثلة في سمك القرش إلى الحيوية والنشاط. العبرة تكمن في أن سمك القرش الذي يمثل التحديات الكبيرة ليس لعنة بقدر ما هو حافز إيجابي للعمل والنجاح! لك أن تشكر الحاسدين ومن يحاولون وضع العصي في دواليب عملك باستمرار، لأنهم يصنعون منك رجلاً مبدعاً متدفق النشاط لا تعرف الكلل ولا الملل، ويدفعونك إلى ارتياد تجارب جديدة تشكّلك بقوة... لذلك قل من طرف خفيّ لكل من آذاك وظلمك: شكراً يا سمك القرش، لأنك دفعتني إلى تجربة إبداع جديدة وجعلتني أقوى شكيمة، فالضربة التي لا تميتني تزيدني قوة!. قال خربوش: والضربة التي تميتك؟! قال عبد الرحمن مبتسماً: كن مع الله وأنت الكسبان! الضربة التي تميتك مظلوماً تدخلك الجنة شهيداً! عجباً لأمر المؤمن، كل أمره خير، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له!!!.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.