20.57°القدس
20.22°رام الله
19.42°الخليل
25.05°غزة
20.57° القدس
رام الله20.22°
الخليل19.42°
غزة25.05°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

على الأرض لا في النجوم

ديمة طهبوب
ديمة طهبوب
ديمة طهبوب

تتطلع عيون الآلاف من العرب في آخر ليلة من كل عام نحو القنوات الفضائية لحضور توقعات من يسمون بالفلكيين أو الروحانيين لعلهم يجدون فيها ما يطمئن نفوسهم ويبشرهم بمستقبل أفضل يرونه في النجوم بدل أن يصنعوه بأيديهم!! وكأن النجوم تمطر آمالا وأحلاما ومصابيح سحرية تقول لأصحاب الأماني «شبيك لبيك اطلب وتمنى».
عيون الالاف تتطلع وتثق بشرذمة تتدعي رؤية عالم ما انفتح حتى للرسل الا بإرادة الله فكان أن أقر الرسل بضعفهم وقصر نظرهم عن معرفة الغيب وهو ما أخبر به القرآن عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «ولو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسني السوء».

الا أن هناك شعوبا لا تطير في السماء ولا تعيش في أحلام اليقظة بل تصنع نجومها المضيئة مصابيح تنير حياتها على الأرض دعة وراحة ورفاهية وغنى واستقرارا، وهناك شواهد لا ترجم بالغيب ولا تستقسم بالأزلام ولا تستدعي العوالم التي خفيت عنا بأمر الله، إنها شواهد أرضية تراها العين وتدركها الحواس مؤكدة بالأرقام والدراسات والاحصائيات ومنها تقرير منظمة الشفافية العالمية الأخير والذي أظهر أن الفساد ضرب أطنابه واستشرى واستوطن الدول العربية التي أحرزت نتائج عالية في الفساد ومراتب متدنية على المقياس مقارنة مع 183 دولة حول العالم خضعت للدراسة والتصنيف، وقد أحرزت نيوزيلندا والدنمارك وفنلندا المراكز العليا على مستوى الدول الأقل فسادا، وبالذات فيما يخص القطاع العام الذي يخدم أغلبية الشعب.

أما الدول العربية فكلها في الفساد شرق، لا فرق بين دولة فقيرة وغنية وفي بعض الحالات تزيد الدول النفطية فسادا عن الدول الفقيرة، وتهم الفساد بحسب المقياس تشمل الإثراء غير المشروع والرشوة والاختلاس والتضييق على مؤسسات مكافحة الفساد وفساد القضاء والحد من حرية الصحافة والإعلام وانتقال المعلومات، والفساد في مجالات الدفاع والأمن والصحة والتعليم والخدمات والعطاءات العامة، وقد أحرزت قطر المركز 22 من 183 دولة بـ7.2 نقطة على مقياس الشفافية الذي يمتد من 0 وتمثل نقطة الأكثر فسادا الى 10 وتمثل الأقل فسادا، ولحقتها الإمارات في المركز 28 بـ6.8 نقطة، بينما جاء الكيان الصهيوني الذي يفاخر بأنه دوحة الديمقراطية في الشرق الأوسط في المركز 36 ب 5.8 نقطة! وجاءت البحرين في المرتبة 46 بـ5.1 نقطة، بينما حلت الأردن في المرتبة 56 بـ4.5 متأخرة بست نقاط عن مستواها في العام الماضي مما يدلل على عدمية وفشل سياسات الاصلاح الحكومية وعدم قدرتها على مكافحة الفساد، فيما فات اليمن قطار مكافحة الفساد لتحل في المراتب قبل الأخيرة في المركز 164 بـ2.1 نقطة، وجاءت الصومال مع أفغانستان وميانمار وكوريا الشمالية كأكثر الدول فسادا على مستوى العالم.

ولقد أحرزت الدول العربية المراكز الأولى في الدول النامية والدول الفقيرة والدول الأكثر فسادا!!
وبينما النجوم تأفل أحيانا وتضيء أحيانا وقد تحجبها سماء مظلمة الا أن الأرقام لا تكذب ولعل لغتها أصدق من لغة النجوم التي يفسرها منجمون كابون ولو صدقوا وصدق الشاعر إذ قال:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
سلوهن ان كذبتموني متى الفتى يذوق المنايا أو متى الغيث واقع
يحكى أنه في بلاد بعيدة كان هناك دولة نزيهة نظيفة وكان دخل الفرد فيها 28000 دولار وكان الناتج المحلي الإجمالي 118 بليون دولار وكان معدل البطالة 3.4% وكانت تحتل المرتبة الأولى على 183 دولة كالدولة الأقل فسادا في العالم واسمها نيوزيلندا!

لا ليست هذه قصة خرافية ولا أسطورة من ألف ليلة وليلة إنها قصة بلد على الخارطة كانت حتى آخر الثمانينات أقل بلد أوروبي في مستوى دخل أفراده الا أن قرر ساساتها ومواطنيها أنهم يستحقون حياة أفضل فصنعوها بأيديهم وحاربوا الفساد والترهل حتى أصبحوا النموذج والقدوة، لم يناجوا النجوم ولم يجلسوا على الشباك ينتظرون ظهور القمر أو بزوغ الشمس، لقد مشوا طريق الألف ميل حتى أحرزوا هذه النتيحة.

قالوا قديما في الأمثال: «اسعى يا عبدي وأنا بسعى معك» وقد علمتنا الثورات أن المطالب لا تأتي بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، والتطلع الى النجوم بغير عبرة الوصول إليها وإدراك منزلتها أخرج لنا شعراء محلقين تاهوا وأضاعونا في مدارات الغزل والوصف ولكن المصلحين أقدامهم تمشي على الأرض وتنظر للبشر كأعظم مورد ومدد.

المستقبل يبدأ من إصلاح الأرض وأهل الأرض فإذا انتهت المهمة تطلعنا الى النجوم والكواكب فهي من خلق الله نستعين بها على فهم آيات الله
كل عام وأنتم من أهل الشفافية.