14.44°القدس
14.14°رام الله
13.3°الخليل
19.16°غزة
14.44° القدس
رام الله14.14°
الخليل13.3°
غزة19.16°
الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
4.82جنيه إسترليني
5.29دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.75دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.82
دينار أردني5.29
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.75

فشل سياسة ردع الانتفاضة

ايمن ابو ناهية
ايمن ابو ناهية
أيمن أبو ناهية

إن ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية من قمع للمنتفضين والقتل المتعمد وهدم بيوت الشهداء والأسرى من أساليب الردع كما يزعم قادته، واعتبارهم أن عمليات الانتشار الواسع لجيشهم في المدن والقرى الفلسطينية وشوارعها العامة، ومواجهاتهم اليومية مع الفلسطينيين المنتفضين، وما يتعرضون له من احتمالات الطعن والدهس المفاجئين، بأنها أنشطة اعتيادية تأتي ضمن البرامج والدورات التي يتدرب ويتأهب لها جيش الاحتلال، بل إن الكثير من الأطباء النفسيين والمشرفين الاجتماعيين في الجيش، وكلهم من الضباط المختصين علمياً في هذه المجالات، يرون أن ما يتعرض له الجنود شيء خطير للغاية، ولا يستطيع الجندي أن يتعايش أو يتكيف مع هذه الأخطار، فالهجوم بالسكاكين والأدوات الحادة شيء مرعب ومخيف، ويترك صدمة نفسية على حالة الجنود، مما يحدث الذعر والهلع في صفوفه، وقد رأينا ذلك أكثر من مرة بإطلاق النار على بعضهم نتيجة عدم التركيز وإطلاق النار عشوائيا، فضلاً عن أن عائلات الجنود والعناصر الأمنية يبدون تخوفاً أكثر من الجنود، ويرفضون أن يكون مصير أبنائهم القتل بنيران صديقة. 

وهذه شهادة بعض الضباط في جيش الاحتلال أن المواجهة مع الفلسطينيين لا تقوم على أساسٍ من التفوق والسيطرة والردع، إذ إن القوة لا تحمي، والاستعدادات الهائلة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لا تجلب الأمن، ولا تحقق السلامة، بدليل أن العمليات نفسها تتكرر كل يومٍ في الأماكن نفسها أو في أماكن ومناطق جديدة، والمنفذون قد يقتلون أو يعتقلون ولكن غيرهم يحل مكانهم بسرعةٍ، وتكون الدوافع عند المنفذين الجدد أقوى، والعزيمة أكبر، والرغبة في الانتقام والثأر أكثر وضوحاً، ويزيد من توتر الجنود والمستوطنين الإسرائيليين تصريحات قيادتهم التي تقول، إننا لا نستطيع أن نمنع شخصاً يريد أن يموت. 

والحقيقة أن الفلسطينيين تفوقوا بذكاء شديد في تحييد القوة العسكرية للجيش والأجهزة الأمنية، فأقصى سلاح يمكن استخدامه هو المسدس، بدليل أن الفصائل الفلسطينية لسبب أو لآخر لا تزال لم تدخل على خط الانتفاضة، ولم تستطع أن تترك بصماتها عليها، فلا مشاركة لها في التخطيط، ولا تقوم بعمليات المساندة والحماية، ولا تمول المنفذين، ولا تشرف على عملياتهم، ولا تنصحهم أو توجههم، ولا تنتقي لهم أهدافاً أكثر دقة وأضمن نتيجة، بل تركتهم وحدهم يخططون وينفذون، ويجتهدون ويقررون، ولذا بإرادةٍ أو عن غير قصدٍ منهم، فقد انسحبوا من المواجهة، وسحبوا الذرائع من الجيش للفتك بهم، وتركوا المعركة قائمة بين جيشٍ مكفوف اليد وبين شعبٍ ماضٍ بأقل ما يملك وأبسط ما يستطيع أن يقاتل به، فلا أبسط من سكين المطبخ، ولا أكثر وفرةً من السيارات الخاصة، وكلاهما بات متوفراً بين أيديهم، ولا يمكن حصارهم لمنعهم من حيازة سكين أو قيادة سيارة، وبذا جعل الفلسطينيون سلاح المعركة في حده الأدنى، فلا قوة تقمعهم، ولا سلاح يخيفهم، ولا قدرة للجيش على المبادرة باستخدام سلاحه الفتاك في مواجهة طفلة تحمل سكيناً، أو صبيٍ يتجول قرب مستوطنة، أو على الطريق العامة التي يسلكها المستوطنون، الأمر الذي جعل الفلسطينيين يطمئنون إلى أن التفوق العسكري الإسرائيلي تعطل، وأنه لن يدخل المواجهة، ولن يحسم المعركة ولم يحدث أي نوع من الردع. 

فبعد هذه المدة التي قضتها الانتفاضة الثالثة واستمرارها بدخولها الشهر الثالث على التوالي، والتي خالفت توقعات قادة جيش الاحتلال، بالعمل على إخمادها سريعا، بدأ القلق والخوف الشديدان في الشارع الإسرائيلي على المستويين الشعبي والرسمي، فالإسرائيليون يسألون حكومتهم بكثير من الضيق والتبرم والغضب والسخط، عن مآل الأحداث ومصير الأوضاع في المناطق، ولا يوجد في الأفق ما يدل على قرب التوصل إلى حل بشأنها، إذ لم تجد المساعي السياسية التي بذلها وقام بها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، كما يبدو أن الاستعدادات والحيطة والحذر غير قادرة على إخماد الانتفاضة، أو التخفيف من فعالياتها اليومية التي تزداد ولا تنقص، وقد بدا أن ذوي الشهداء أكثر من ينبري للثأر والانتقام، بدليل أن العديد من منفذي عمليات الطعن والدهس أقارب وأشقاء، وكأن الحزن يمنحهم المزيد من الطاقة، والألم يولد عندهم المزيد من القوة والأمل. 

يخطئ من يظن أن الاحتلال الإسرائيلي مرتاح وغير قلقٍ، وأنه لا يواجه خطراً حقيقياً ولا مأزقاً حرجاً، وأن العمليات التي يتعرض إليها كل يومٍ لا تؤثر فيه ولا تهز كيانه، ولا تضعف قوته ولا تشتت صفه، ولا تصدع جبهته، وأنه على العكس من ذلك، يقتل كل يومٍ عدداً من الفلسطينيين الشبان، ويطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بحقه في الدفاع عن نفسه، ويدفعه لوصف عمليات المقاومة الفلسطينية بأنها عمليات إرهابية، لكن هذا لم يلق آذانا صاغية كما توقع الاحتلال فهذا رئيس وزراء السويد الذي خرج عن صمته ورفض أن تكون عمليات إرهابية، مما جعل المسؤولين السياسيين وقادة الجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية في حيرة من أمرهم، فلا الأول يستطيع أن يجلب حلاً سياسياً سحرياً يهدئ الأوضاع، رغم أنه يتمنى ويأمل، ويستعين بمن يستطيع ويقوى، ولا الثاني قادر على أن يلبي طلبات حكومته وأماني شعبه في قمع الانتفاضة، وإجبار الفلسطينيين على أن يعودوا إلى بيوتهم ومزاولة أعمالهم، رغم القوة التي يملكون، والسلاح الذي يحوزون. 

والفلسطينيون ماضون في خيارهم، ومصممون على نهجهم، فلا يوقفهم دمٌ، ولا يخيفهم قتلٌ، ولا يمنعهم عدوٌ من الإصرار على المطالبة بحقوقهم، والحفاظ على وجودهم.