حين كتبت عن الانتفاضة الثالثة في أكتوبر 2014 أي قبل عام من اندلاعها قلت: حين ينتفض الشعب ينتفض ذاتيا غير آبه بالنتائج السياسية ولا بالثمن الباهظ الذي سيدفعه، لأن هدفه يتلخص في رفع الظلم الواقع عليه والانتقام من المحتل الإسرائيلي، وهذا بعكس عمل المنظمات المقاومة التي تقرر متى تبدأ الرد وكيف تدير المعركة, مع السيطرة التامة على مجرياتها, وكذلك متى تنهيها إن كانت لها اليد الطولى كما في معركة العصف المأكول.
بالأمس، احتل خبر الخسائر التي لحقت بالقطاع السياحي الفلسطيني بسبب اندلاع انتفاضة القدس مساحة لا بأس بها في الإعلام الفلسطيني، مثل: "خسائر بالملايين.. السياحة تتراجع بسبب المواجهات"، وقد تتوالى الأخبار المماثلة عن الخسائر الاقتصادية، والتي بدأت تظهر بالفعل على قطاعات اقتصادية معينة، ولكننا قلنا إن شعبنا لا يضع في حساباته الخسائر الاقتصادية طالما أنه يضحي بأغلى ما يملك من دماء أبنائه وبناته من أجل رفع الظلم وإجبار العدو الإسرائيلي على وقف جرائمه ضد شعبنا وضد مقدساتنا كمقدمة لتحرير فلسطين، ليست هناك ثورة ولا انتفاضة دون تضحيات، ولذلك فإنني أخشى أن يتحول الحديث عن الخسائر الاقتصادية إلى دعوة للحد من انتفاضة شعبنا في الضفة الغربية والقدس، وقد عانينا سياسة تصوير الإيجابيات على أنها سلبيات، والانتصارات على أنها هزائم، كما حدث مع أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وما تلا ذلك من تحرير للأسرى أو انتصار المقاومة الفلسطينية على العدو الإسرائيلي في ثلاث معارك في قطاع غزة، أو البطولات التي حققها شعبنا ضد المحتل في انتفاضتين، وقد بدأ بالثالثة، والتي نتمنى أن تكون نهاية للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
لا شك أن استمرار انتفاضة القدس يعني المزيد من الخسائر الاقتصادية، والمزيد من الضغوط على شعبنا، وما يريده المحتل الإسرائيلي هو أن نرضخ لتلك الضغوط، وأن نستكين حتى يعود المستوطنون فيعربدوا في أنحاء الضفة الغربية، ويدنسوا القدس كما يحلو لهم، وتعود وتيرة الاستيطان إلى سابق عهدها، وليس أمام الفلسطينيين سوى الثبات والصمود، وعلى القيادة وقادة الفصائل البحث عن سبل ناجعة لتعزيز صمود شعبنا واستمرار انتفاضته المباركة.