17.23°القدس
17.01°رام الله
16.08°الخليل
23.33°غزة
17.23° القدس
رام الله17.01°
الخليل16.08°
غزة23.33°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

من شهر العسل إلى غياهب المعتقل

02085611500078036302207078105623
02085611500078036302207078105623
بقلم الأسير "عمر عطاطرة"

بملامح حزينة وتنهيدة طويلة وحسرة، يبدأ الحديث عن قصة زواجه ويكشف شكلاً جديداً من أشكال التعذيب التي يُمارسها الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

الأسير باجس يونس حسين عمرو (33 عاماً) من مدينة الخليل، يقول: 22 يوماً كانت الأحلى في سجل حياتي وما زالت الأنقى في تاريخ ذكرياتي، أيامٌ قليلةٌ أتيحت لي في ظل عش الزوجية الهانئ، شعرت خلالها أنني أسعد إنسانٍ على وجه الأرض، إلى أن امتدت اليد الآثمة المعتدية لتزج بي خلف القضبان ولأجد نفسي فجأة بين ذئابٍ لا ترحم وقد فقدت عروسي التي غمرتني بالحب والرحمة والعواطف الدافئة.

وهنا يتوقف الأسير عن الحديث والغضب يملؤه والحزن يرتسم على محياه وأطلق آهةً من أعماق صدره، ويضيف قائلاً: "لقد سرقوا فرحتي وعكروا صفو أيامي الرائقة، وكم كنت انتظرت تلك اللحظات بفارغ الصبر ولكن للأسف الشديد ما إن ضحكت لي الدنيا واجتمعت بمليكتي التي غيرت دنياي ولونتها بالسعادة حتى خسرت كل ذلك".

ويتحدث بمرارةٍ كان أسري الأخير مختلفاً، لم أختبر هذا الألم في اعتقالي السابق حيث كنت أعزباً، هذه المرة كان قلبي معلقاً ومأخوذاً بسحر عروسي، لذلك صعب الأمر علي فليس من السهل على الإنسان أن ينتقل فجأة من قمة الفرح إلى قمة التعاسة والألم.

اعتقل بطل القصة الأسير باجس عمرو سابقاً قبل اعتقاله الحالي، وأمضى في سجون الاحتلال حينها سنة ونصف، وما أن أفرج عنه حتى استأنف تأسيس مستقبله وتحقيق طموحاته فعمل مع والده إلى جانب عمله كمدرس للغة الإنجليزية، وبعد كثير من العناء والكد أكمل بناء شقته وأعدّها لاستقبال فتاة أحلامه التي ملكت عليه قلبه، وما أن اقترن بها وسكن إليها واستأنس كلٌ منهما بالآخر حتى اغتيلت مسراتهما ووجد باجس نفسه انتقل من الرحيق إلى غرفة التحقيق.

إن المتتبع لشؤون الأسرى يجد أن الاحتلال يتعمد في كثير من الأحيان اعتقال العرسان الفلسطينيين في سياسةٍ واضحةٍ وعدوانٍ سافرٍ للنيل من إرادتهم وعزائمهم والتأثير على روحهم المعنوية وإمعاناً في إيذائهم، وقد عرف عنه التفنن في هذا المجال، والحالات الشاهدة على ذلك كثيرةٌ جداً، فمن الأسرى من يعتقل أثناء التجهيزات الأخيرة لحفل الزفاف، ومنهم من يعتقل بعد أيام من الزواج، وكل ذلك ليس من قبيل الصدفة بل من خلال تخطيط مسبق وسياسةٍ ممنهجة، ينفذ الاحتلال هذه الاعتقالات التعسفية حسب ما يحلو له دون الأخذ بأي اعتبار إنساني كان، وتشهد قلاع الأسر العديد من الشبان الذين خبروا هذه التجربة، الذين اجتثوا من أحضان شهر العسل ليقضوا بعدها شهوراً وسنوات خلف الجدران الضيقة يتجرعون مرارة البعد عن أحبائهم في غياهب السجون، ويستطرد الأسير باجس، بعد خمس سنوات ونصف من الأسر ما زلت اتعرف على زوجتي وأحاول أن أنتهز كل فرصةٍ تتاح لي لاكتشفها.

والجدير بالذكر أن باجس ككثير من الأسرى يحرم من زيارة زوجته لدواعٍ أمنية، وتمنح زوجته في أحسن الأحوال تصريحاً لزيارته كل سنة ولمرة واحدة، ويستكمل حديثهُ قائلاً: لا يمكن أن تغنيني 45 دقيقة وهي وقت الزيارة، علماً أنه يفصل بيني وبين زوجتي زجاجٌ غليظٌ بارد، ويقف السجان رقيب علينا وحارساً، وأي حديثٍ يمكن أن يقال في ظل صخب الزائرين وعيون الرقباء، والحقيقة أن العيون والقلوب هي التي تقول كل شيء وتعبر عن كل شوق، وكما أن العريس الأسير لا يتسنى له التعرف على زوجته فهي كذلك الأمر لا يتسنى لها التعرف عليه.

وفي ذلك يضيف باجس موضحاً: أحرص على أن تعرفني شريكة حياتي وأم أولادي مستقبلاً لذلك كنت أكثر من إرسال الرسائل قبل توفر الاتصالات الممنوعة، وكانت رسائلي فلذة من قلبي فيها مشاعري وأشواقي، وكانت كذلك صورة من عقلي فيها رؤاي وأفكاري وتصوراتي، وكانت أيضاً نبذة عن أحلامي ومشاريعي التي أود أن تشاركني بها زوجتي بعد تحرري، فرسائلي باختصار تعكس جوانبا من مكونات شخصيتي، وقد علمت من زوجتي أنها تحتفظ بها ككنز ثمين وتقوم بنثرها كل شهر وتقرؤها واحدةً واحدة في طقوسٍ شاعريةٍ خاصة، ولا تتركها إلا وقد بللتها بالدمع.

حكمت محكمة الاحتلال على الأسير باجس عمرو بالسجن لثماني سنوات يقضيها في ظروف صعبة من المشقة والحرمان، ولكنه برغم ذلك قوي الإرادة عال الهمة مفعم بالأمل، يقضي وقته في العلم والكتابة ويعطي دوراتٍ في اللغة الانجليزية لإخوانه في سجون الاحتلال، وهو بالإضافة إلى ذلك طيب المعشر دمث الأخلاق وودود يحبه إخوانه الأسرى ويقدرونه.