20.31°القدس
20.21°رام الله
19.42°الخليل
24.63°غزة
20.31° القدس
رام الله20.21°
الخليل19.42°
غزة24.63°
الجمعة 22 نوفمبر 2024
4.68جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.89يورو
3.71دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.68
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.07
يورو3.89
دولار أمريكي3.71
د. يوسف رزقة

د. يوسف رزقة

كلفة الاستبداد أعلى من كلفة الثورة

في مقالة للشيخ محمد الغزالي حول تحرير فلسطيني يقول: يبدو أنه لا بد أن تسقط دول عربية قبل أن تسقط دولة العدو والاحتلال. هذه المقولة يتداولها نشطاء الفيس بوك والإعلام الجديد كرؤية استشرافية صادقة للراحل الغزالي رحمه الله، وهي رؤية تتسم بالمصداقية، وبعد النظر، وتنطلق من قراءة عميقة للتاريخ والواقع، بحيث يمكن القول ونحن على مسافة عقدين من الزمن على وفاته : إنه كان صاحب حدس إيماني لا يخون صاحبه.

اليوم العالم العربي ممزق، وما زال يتمزق أيضا بعوامل ذاتية وأخرى خارجية، وأحسب أن العوامل الذاتية الداخلية هي الأشد عليه والأنكى. وجوهر هذه العوامل (الاستبداد والعمالة لإسرائيل والخارج) .

إن كلفة الاستبداد أعلى كثيرا من كلفة الديمقراطية والخلافات الحزبية، بل هي أعلى بكثير من كلفة الثورات الشعبية، حتى تلك التي تراق فيها الدماء. الاستبداد له كلفة عالية حين تخضع الشعوب له، وحين تثور عليه . من كلفته عند خضوع الشعب له: التخلف، والفساد، والقمع، والسجون، والعمالة للخارج. وكلفته عند الثورة عليه عالية ودموية، حيث يستخدم القوة العسكرية، والجيش، في قمع الشعب والفتك به، مع أن الشعب هو الذي يبني الجيش بماله للدفاع عن الوطن ضد العدوان الخارجي .

الحالة السورية قبل الثورة، وبعد الثورة، تبدو خير نموذج يشرح تكلفة الاستبداد، فالجيش العربي عاش خاضعا للمحتل وإرادته ، ولم يتحرك لتحرير الجولان مثلا. ولكنه استأسد واستنمر واستحمر في التعامل مع شعبه، إذ تحرك بكامل قواته وتشكيلاتها البرية والجوية لقصف المواطنين السوريين، وهدم منازلهم بحجة محاربة الإرهاب. والصحيح أنه يفعل ذلك لكي يستبقي استبداده وحكمه رغم رفض الشعب له.

في مثل هذه الحالة يضيع الوطن ويتمزق الشعب، وتظهر الدويلات وتتقاطر على الوطن التدخلات الخارجية بأسماء مختلفة، وحجج متشاكسة. العراق مثلا يتجه نحو التقسيم، وسوريا تتجه نحو التقسيم، واليمن يتجه نحو التمزق، والحروب المذهبية والطائفية تعصف بالحاضر وبمستقبل الأجيال، وتهدم كل أمل للخروج من التخلف والاستبداد والخلاص من الأجنبي. إما الاستبداد وإما التمزق والدماء ؟!

كانت مشكلة فلسطين المشكلة الوحيدة في الظاهر للأمة العربية منذ نكبة ١٩٤٨م، وحتى عام ٢٠١١ م عام الربيع العربي، وعشنا على وهم أن الأمة العربية تجتمع على فلسطين، وتعدّ جيوشها واقتصادها ونهضتها من أجل تحرير فلسطين، أو حلّ مشكلتها حلا عادلا كما يقولون، وإذا بنا نكتشف في عام الربيع العربي وما بعده أن مشكلة فلسطين لا تعدّ مشكلة أمام الاستبداد العربي الذي نخر عظم الأمة العربية منذ النكبة وحتى تاريخنا هذا، واكتشفنا أن الجيوش تعدّ لحماية الاستبداد، وقتل الثورات وتمزيق الشعوب، وأن الوطن مزرعة الحاكم وملك يمينه، ومن ثمة قدم الحكام العرب للعدو الإسرائيلي مبرر الاحتفاظ بما يملك من فلسطين بالاحتلال، وبات القادة جاهزين للاعتراف بمشروعية هذه الملكية، وباتت فلسطين مؤجلة، والديمقراطية مؤجلة، والنهضة مؤجلة، والعدالة مؤجلة، والقدس مؤجلة، والدين مؤجلا، وكل شيء مؤجلا حتى ينتصر العالم على الإرهاب، وكأن الإرهاب ليس صنيعة العالم بل صنيعة نفسه بنفسه، ونسينا مقولة الدرس الابتدائي القديم: إن إسرائيل زرعت خنجرا في جسد الأمة العربية ؟! لذا صدق الغزالي "إن تحرير فلسطين ربما يمرّ بسقوط دول مستبدة تحمي إسرائيل".