23.33°القدس
22.86°رام الله
22.19°الخليل
26.12°غزة
23.33° القدس
رام الله22.86°
الخليل22.19°
غزة26.12°
الأربعاء 31 يوليو 2024
4.8جنيه إسترليني
5.28دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.05يورو
3.74دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.8
دينار أردني5.28
جنيه مصري0.08
يورو4.05
دولار أمريكي3.74

خبر: سوق.. وناس!!

نظرت حليمة إلى خاتمها نظرة امتزجت بدموع العين الساخنة، ثم ناولته للتاجر قائلة: بالله عليك لا تخدعني ، فأنا لا أعرف البيع ولا الشراء، قال: ومن الذي قال لك إنني سأخدعك؟ بإمكانك أن تسألي غيري يا أختي، قالت: لم أقصد تخوينك، ولكن صاحب الحاجة أعمى، لقد حلّ موعد المدارس عليّ كالصاعقة ، ولم أشأ أن أمد يدي لأحد من الناس، فاضطررت إلى بيعه وأخشى أن لا يكفي ثمنه لشراء ملابس المدارس للأولاد. قال: والمرحوم، ألم يترك لكم شيئاً؟ قالت: أي مرحوم هذا؟ قال: أبوهم، قالت: لم يمت، ولكن ماتت فيه الروح فنام، وهيهات أن يقوم، قال: إسألي الله أن يعوضك خيراً. انطلقت حليمة إلى السوق تجر في يديها وأذيالها خمسة من أولادها لكسوتهم، وبدأت تقلب الملابس المدرسية بيديها، والأطفال يتطاولون إلا أحمد الذي غاب اليوم عنهم بجسده النحيل الذي طالما كان عرضة لمزاحهم ومناوشاتهم!! كانت عيون أحمد تطل في كل قميص، وكل شنطة!! كانت ضحكة تنبعث من بين صفحات الدفاتر، وأقلام الرصاص!! روحي يا يمّا .. قلبي يا يمّا!! التفت البائع، وقال: هل قلت شيئاً يا أم أحمد؟! قالت، وحبات دمعها الدافئة تتفلت من حبات عيونها: لا إله إلا الله يا ولدي، هل أعجبتكم الملابس يا أولاد؟! قالوا: لماذا تبكين يا أمي؟! هل تذكرت أحمد؟! إذا كنت في كل مرة ستجرحين قلوبنا، لا نريد ملابس المدارس!! قالت -وهي تمسح دمعة الحزن، وتطلق ابتسامة أكثر حزناً: من قال لكم أني حزينة يا حبايب؟! أحمد في الجنة يلبس حريراً، أجمل من هذا، ويأكل أحسن مما تأكلون ، ويشرب أحسن مما تشربون، قال صغيرهم: هل رأيته يا أم؟ قالت: نعم رأيته بقلبي، قال: حلمت به؟ قالت: لا يفارق الشهيد عيني ولا سمعي ولا قلبي في النوم وفي اليقظة، فكيف لا أراه، قال: وماذا رأيت أيضاً يا أم؟ قالت: لماذا تسأل كثيراً أيها الولد الشقي؟ قال: أليست الجنة أفضل من المدارس؟ قالت: الجنة تحتاج إلى الرجال الذين يعمّرون الأرض ويعمرون المساجد ويعملون الخير وينفعون الناس، قال: الشهداء يختصرون الطريق، قالت: درجات الجنة كثيرة، وكلما طال عمرك وحسنت سيرتك، كانت شهادتك عند الله أعظم، قال: أخشى أن أموت موتة عادية، فلا أنزل جنة فيها أخي أحمد!! قالت: طالما تمنيت الشهادة فستلقى ربك ولك أجرها ومنزلتها، ماذا تريدون يا أولاد؟! قالت إحداهن: نريد السترة يا أمي، ولا نريد أن نحرجك ، لا تتعبي نفسك، فنحن نعرف البئر ونعرف غطاءه. كان الشارع يعج بالبسطات التي أغلقت الطريق، وكانت زامرات السيارات تختلط بأصوات الباعة، وأسئلة الزبائن ، ولم تشعر أم أحمد أنها تسند ظهرها إلى سيارة جيب فاخرة إلا بعدما سمعت الشتائم تخرج كالطلقات السريعة من الشبّاك، قال أحد الراكبين: ما الذي جاء بك من هذه الطريق؟ قال: لم أعرف أن اليوم هو يوم سوق، وأنت تعرفني لا أحب البشر، ولا أحب أن أكون في هذا الزحام، قال: موسم المدارس في كل عام يقرفني ، قال: كنت أحضر الملابس لأولادي من السفر، فاضطررت هذا العام أن أشتريها من هذه الأسواق المعفنة!! قال: أشعر بالاختناق من قلة السفر، لقد مضى الصيف دون أن نستمتع بالبحر في أثينا، وسيمضي الشتاء دون أن أستمتع بالمشاتي الدافئة ، قال: خصوصاً وأن القرد فاضي لمعط الجلد، لقد تركنا العمل، وتركنا الجمل بما حمل، ضحك الثاني وقال: تركنا العمل هذا صحيح، ولكن الجمل بما حمل لا يزال في جيوبنا ، ولا يستطيع أحد أن ينزعه منّا، لا تغيير ولا إصلاح، أكمل صاحبه ساخراً: ولا الليالي الملاح!! ابتعدت حليمة عن السيارة قليلاً، وقد انقطع حوارها مع أولادها قليلاً، ثم سحبت محفظة المصاري من شنطتها ونادت على البائع لتناوله ثمن الملابس التي انتقاها الأولاد. قال البائع وهو ينظر إلى سيارة الجيب: الله يعوض عليك خيراً، ويطرح البركة في المال الحلال، قالت: علينا وعليك وعلى الصابرين يا ولدي، ضغط سائق الجيب على الزامور بقوة معبراً عن غضبه مما يسمع، قال البائع: زامور يوم القيامة أشد يا أم أحمد، قالت: صوت الحق أقوى من صوت الباطل، وأيام الحق أحلى من حياة الباطل، ورزق الحلال أحلى من أكوام الحرام، قال: اللهم اجعلهم ذرية صالحة وارزقهم رزقاً حلالاً.