27.23°القدس
26.99°رام الله
26.08°الخليل
30.16°غزة
27.23° القدس
رام الله26.99°
الخليل26.08°
غزة30.16°
الأحد 06 يوليو 2025
4.57جنيه إسترليني
4.72دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.94يورو
3.34دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.57
دينار أردني4.72
جنيه مصري0.07
يورو3.94
دولار أمريكي3.34

أين يسكن محمد الضيف؟

-146919167
-146919167
محمد الجمل

أين يسكن محمد الضيف؟ هل يسكن فوق الأرض مثلنا؟، يرى نور الشمس ويستمتع بمنظر مياه البحر ورمال الشاطئ؟ هل يتنقل بين السهول وينعم بظلال الأشجار، هل يطرب لأغاريد البلابل وشدو الأطيار صباحا ومساءا؟.

أم أنه يسكن بعيداً بعيداً في بطن الأرض؟ يحيط به الظلام من كل جانب، لا يرى دخول الصبح ولا أفول النهار، معزولا عن البشر، لا يسمع صرخات الأطفال في الطرقات ، ولا توقظه أصوات الباعة المتجولين هنا وهناك، لا يمكنه أبداً أن يدخل سوقا، أو أن يستمتع بجولة شرائية في إحدى البقالات، يدخل فصل الشتاء وينتهي دون أن يتمكن من المشي مرةً واحدةً تحت المطر أو التعرض برهة لأشعة الشمس، محروم هو من صلاة الجماعة في المساجد والاستماع لخطب الجمعة ومشاركة العبّاد صلوات قيام رمضان وتكبيرات الأعياد، لا يستطيع تلبية دعوة قريب له بالفرح ولا مشاطرة عزيز عليه بالأحزان، تتساوى عنده كل أيام الأسبوع، وكل أيام الشهر، وكل أيام العام، فلا شيء في حياته يختلف، ولا شيء في أيامه يتغير، يشتاق لأمه وإخوانه و يتمنى لقاء شقيقاته وزيارة أرحامه، لكن لا سبيل لذلك، فلا لقاء في حياته يطفئ نار الشوق للأحبة ولا لحظة وداد تشفي أنين قلبه الملهوف.

قد يتزوج، لكنه زواج صامت بلا فرح ولا صخب، وقد ينجب دون أن يتمكن من رؤية طفله أو تحنيكه والتكبير في أذنيه، لم يستمتع يوما برحلة مع زوجته وأطفاله على شاطئ البحر، ولم يتمكن من التقاط صورة تذكارية معهم في ميدان فلسطين أو ساحة الجندي المجهول، ولم يرافق ابنه يوما لشراء هدية له من محل بيع الألعاب ليحتفلا سويا بعيد الميلاد.

أين يسكن محمد الضيف؟ آلاف الجنود قد تكون مهمتهم الوحيدة البحث عن إجابة لهذا السؤال، وملايين الدولارات قد تكون أنفقت للوصول إلى مكان هذا الرجل، ولهؤلاء جميعا أقول،، أريحوا جنودكم، ووفروا أموالكم، فمكان هذا الرجل معروف ومكشوف، إنه يعيش في قلوب الملايين من أبناء أمته، يحتل الصدارة في أعماقهم، يتنفسون حبه كما الهواء، ويذوبون شوقا لأخباره كما حكايا العشاق، هو يتحرك مع نبض قلوبهم ويزاحم الدماء جريا في عروقهم، يتجسد أمام عيونهم مئات المرات، يرون صورته مع كل حكاية مجد وملحمة بطولة، يولد أمامهم في كل يوم وكل ساعة، يولد في حكايا الكبار، وأحلام الصغار، ويرونه شامخا كالطود مع كل انتصار، استطاع رغم غيابه أن يبنى أعظم الجيوش وأن يشيد من مخبئه أقوى الصروح وأن يسطر من عرينه أروع ملاحم البطولة والفداء، لم تهزه الخطوب ولم تكسره المحن ولم يثنه فقد الأهل وغياب الأحبة وفلذات الأكباد عن مواصلة طريق المجد والبطولة.

أين يسكن هذا العملاق، وكيف تعيش هذه الأسطورة، هي حكاية ستسجلها كل كتب التاريخ وستحفظها كل الأجيال وستبقى قصته هي الحكاية الأعظم في صفحات المجد الإسلامي الحديث.