20.18°القدس
19.81°رام الله
18.3°الخليل
25.09°غزة
20.18° القدس
رام الله19.81°
الخليل18.3°
غزة25.09°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

مأساة تتجاوز التصريحات

لمى خاطر
لمى خاطر
لمى خاطر

إن أسوأ ما يمكن لمنظومة أن تفعله هو أن تواجه فضائحها الحقيقية بسلسلة أكاذيب تصدّرها نحو خصمها السياسي الأبرز في أية ساحة، وهذا ما تفعله حركة فتح عادة، وما فعلته أخيرًا عقب تصريحات الإقرار بمنع عمليات المقاومة، التي صدرت عن رئيس مخابراتها (ماجد فرج) ثم أكّدها رئيسه محمود عباس، بل وصلت به الصراحة إلى القول: "إن التنسيق الأمني أمر لا فكاك منه، والهدف منه حماية مواطنينا، وكذلك جيراننا (أي الإسرائيليين)".

لكنّ ناطقي حركته يبلغ بهم الشطط مبالغ مزرية وهم يصدّرون أزمتهم الفاضحة باتجاه حماس، مع أن رافضي تصريحات فرج وعباس ليسوا فقط جمهور حماس، بل إن آراء عامة الناس وتعليقاتهم أكثر تطرفًا من كل ما صدر من أنصار حماس، لأن الأمر ببساطة يصطدم مع ثقافة عقل جمعي مازال يعدّ المقاومة خطًّا أحمر، وثابتًا لا يقبل المساس.

الجديد فقط على هامش هذه التصريحات أن من يسمّون مثقفي السلطة باتوا يدافعون عن التنسيق الأمني خيارًا، ويفصّلون في الحديث عن فضائله وضروراته، مع استحضار أفكار عن خطورة المقاومة على أرواح الشباب، ثم يرصفون مجال هذا الرأي بجملة أكاذيب تتعلق بحماس في غزة، وادّعائهم أنها بدورها تواجه المقاومة هناك، وهذا بطبيعة الحال أسخف ما يمكن أن يقال، لأنه لن يجد سوقًا لتصريفه سوى العقول المنتمية إلى منظومة الإفك نفسها، أما عموم الشارع فلا يمكن أن يشتريه بفلس واحد.

أما التنسيق الأمني وتحوّل السلطة إلى كيان وظيفي لخدمة الاحتلال فهو أمر معروف منذ سنوات طويلة ومفروغ منه، مع أن هذه الجريمة لم يترتّب عليها فلسطينيًّا ما يمكن أن يواجه هذه الحالة المتقدّمة من التعامل العلني مع الاحتلال، ولو على نطاق عزل هذه القيادة المهترئة والمقامرة بمصير قضية مقدّسة، والمعرقلة مسيرة تحرير الأرض أو مقاومة مغتصبيها، وهو أمر يكشف لنا حجم النفاق الداخلي والتهرّب من حسم المواقف في قضية حساسة كهذه، ويعني ذلك أنه ما من قيادة فلسطينية شجاعة يمكن أن تفرض نفسها بقوّة على الأرض أو تتجرّأ على عزل الخائنين والمفرّطين، أو على الأقل تصنيفهم في الخانة التي يستحقونها.

ندرك أنه ليس من الصواب فتح جبهات مع أذناب الاحتلال وإغفال الأصل المنتج لهذه الحالة، أي الاحتلال نفسه، الذي ينبغي أن تظلّ فصائل المقاومة مركزة جهودها في استنزافه، لكن تلك الميوعة على الصعيد الوطني إزاء تكرار تأكيدات محاربة المقاومة ومنعها هذه لا تبشّر بخير، حين لا تُقابل بسوى إدانات لحظية غاضبة لا تلبث أن تتلاشى مع مرور الوقت، ثم يتعامل مع تلك المنظومة على أنها شريك وطني كامل الأهلية.

في بداية هذه الانتفاضة رأينا كثيرًا من أنصار المقاومة يدعمون فكرة التقارب مع السلطة ومنحها صكّ غفران عمّا سبق، من باب الدفع باتجاه تشكيل قيادة موحدة للانتفاضة، ومن باب منح السلطة فرصة للعودة إلى الصف الوطني، في هذا المنحى طرافة ورومانسية لا يحتملهما الواقع، لكنه كان يعبّر بوضوح عن إشكالية مزمنة حتى لدى فريق من جمهور المقاومة أو قادتها، خصوصًا أن ما يحصل على الأرض يتحدث بوضوح عن دور أجهزة السلطة التي تتزعمها حركة فتح في تفكيك الكثير من الخلايا المقاومة، وصولًا إلى مراقبة الفعل الفردي، حتى ملاحقة راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة، واعتقال العديد منهم وفرض غرامات مالية عليهم، واستصدار تعهدات من بعضهم بعدم العودة إلى ممارسة فعل الانتفاضة بعد خروجهم. 

ومع ذلك هناك من يتعامل مع السلطة كأنها طفل صغير، يمكن أن يلتزم السلوك الحسن بقليل من التشجيع والتصفيق والتغاضي عن أخطائه، ومن جهة أخرى هناك من يحلم بأنه مازالت هنالك إمكانية لجرّ السلطة إلى مربّع الانتفاضة والمقاومة ببعض التذاكي والسياسات التوافقية العقيمة، ولعلّ هذا الوهم الكبير المتضخّم مع مرور الوقت لا يقل مأسوية عن فعل أجهزة السلطة وتصريحات قادتها، لأنه ينطلق من اعتبارات رغبية بائسة، ومن قصور في الرؤية أو القدرة على التمييز، وهو ما ينتج قصورًا في التغيير على أرض الواقع.