22.21°القدس
21.96°رام الله
21.08°الخليل
26.03°غزة
22.21° القدس
رام الله21.96°
الخليل21.08°
غزة26.03°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

فلسطين والعرب يخسرون قبرص واليونان

نقولا ناصر
نقولا ناصر
نقولا ناصر

بينما ينشغل العرب في الاقتتال البيني ويفتعلون المعارك مع عمقهم الإسلامي في المحيط المجاور يحقق عدوهم الاستراتيجي في فلسطين المحتلة مكاسب جيوسياسية استراتيجية فينتزع منهم حلفاء تاريخيين لهم ليخسروا قبرص واليونان مؤخرا من دون أن يكسبوا إيران وتركيا.

في الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر المنصرم اختتم رؤساء وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي واليونان وقبرص اجتماع قمة لهم في قبرص بإصدار بيان مشترك أعلنوا فيه اتفاقهم على إقامة "شراكة ثلاثية" قالوا إنهم "مقتنعون بطبيعتها الاستراتيجية" و"أهميتها الاستراتيجية" وتعهدوا بالاستمرار في "العمل الوثيق من أجل تحقيق إمكانياتها كاملة" والتزموا "بالعمل معا لتعزيز العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل"، ولم يتطرق بيانهم ولو بإشارة رفع عتب إلى القضية الفلسطينية أو إلى ما سمي "عملية السلام في الشرق الأوسط".

وألفوا لجانا مشتركة للمتابعة واتفقوا على عقد قمتهم الثلاثية التالية في دولة الاحتلال في النصف الثاني من عام 2016 الجاري.

ومباشرة بعد صدور البيان سارع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مهاتفة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو "من أجل بحث الجهود المستمرة لتحسين العلاقات الإسرائيلية – التركية وتحقيق تقدم في التعاون في مجال الطاقة في شرقي البحر الأبيض المتوسط" كما جاء في بيان من جملة واحدة أصدره مكتبه.

وكان بايدن في الثاني من تشرين الأول/ اكتوبر عام 2014 قد تحدث في جامعة هارفارد عن "فرصة جديدة" ل"اختراق يضم تركيا وقبرص وإسرائيل" لبناء خط أنابيب غاز من دولة الاحتلال إلى اليونان فأوروبا.

ولم يكن هذا الاختراق الاستراتيجي لدولة الاحتلال مفاجئا أو غير متوقع، فالمؤشرات إليه والدلائل عليه تترى منذ سنوات. فعلى سبيل المثال تحدث الخبير سينجورد نيوباور في خطاب له في منتدى الأمن في بلغراد في منتصف أيلول/ سبتمبر2011 عن "التحالف الاستراتيجي الصاعد" بين دولة الاحتلال وبين دول البلقان وعن "تحالفها الاستراتيجي مع اليونان وقبرص". وفي الخامس من كانون الأول/ ديسمبر الماضي كتب رئيس مجلس إدارة مؤسسة "جيوستراتيجيك فوركاستينغ للتعاون"، فاسيليوس داميراس، قائلا إن "الدول الثلاث "قد دخلت حقبة جديدة من التعاون الجيوستراتيجي".

ولأن فلسطين وقضية شعبها العادلة هي الخاسر الأكبر والمباشر من هذا الاختراق الاستراتيجي، سارعت بعض القيادات الفلسطينية، متأخرة وفرادى، إلى دق ناقوس الخطر، من دون صدور أي موقف رسمي، ووسط صمت عربي مطبق.

ففي أواخر الشهر الماضي قال مفوض العلاقات الدولية في حركة "فتح" ووزير الخارجية الأسبق نبيل شعث إن "القيادة الفلسطينية تشعر بالقلق العميق للتغيير الذي طال السياسة الخارجية لليونان وقبرص" وأعلن عن "وجود اتصالات حثيثة" مع مسؤولين وقيادات سياسية في البلدين "لمواجهة" التحالف الجديد. وكتب شعث في الثالث من الشهر الجاري مقالا اعلن فيه أن "قادة" البلدين قدموا "لنا ... تأكيدات بأن علاقة دولتيهما الوثيقة مع إسرائيل لن تضعف التزاماتهما تجاه فلسطين أو تؤثر سلبا في علاقتهما التاريخية مع فلسطين أو العالم العربي والإسلامي".

أما عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشرواي فإنها وصفت "الحلف الثلاثي" الجديد بأنه "غريب ومستهجن" ولا يبشر بخير "لفرص السلام والاستقرار في المنطقة" و"يضعف علاقة الشعب الفلسطيني القوية والصلبة" مع قبرص واليونان و"يشجع إسرائيل على مواصلة" عدوانها وانتهاكاتها للقانون الدولي وتحديها للمجتمع الدولي وتدميرها ل"فرص السلام" ويكافئ دولة الاحتلال على كل ذلك ويمنحها "غطاء سياسيا واقتصاديا" للاستمرار في سياساتها هذه.

إن التحالف القبرصي واليوناني الجديد مع دولة الاحتلال يمثل انقلابا استراتيجيا على السياسات الإقليمية التاريخية للبلدين، انقلابا يقتضي ردا عربيا وإسلاميا جامعا وموحدا، لكن الوضع العربي الراهن والعلاقات العربية والإسلامية البينية الحالية تضمن أن تفلت دولة الاحتلال بجائزتها الاستراتيجية من دون أي رد فعل عربي او إسلامي، ناهيك عن فلسطيني.

فالعديد من الدول العربية تخوض الآن حروبا "استراتيجية" من أجل البقاء والإبقاء على وحدة أراضيها الإقليمية في سورية والعراق واليمن وليبيا والصومال، والعربية السعودية في خضم صراع "استراتيجي" مع إيران، وإيران بدورها تحاول النجاة "استراتيجيا" من حزام الأساطيل الجوية والبحرية والقواعد العسكرية الأجنبية وبخاصة الأميركية الذي يطوقها من كل جانب وسط جوار عربي يرفض أن يكون شريكا لها في منظمومة أمنية إقليمية، ومصر والجزائر تكافحان ضد الخطر "الاستراتيجي" للإرهاب في الداخل وعلى الحدود، والمغرب والجزائر اسيران منذ عقود من الزمن لصراع "استراتيجي" على الصحراء الغربية، والأردن مرهق "استراتيجيا" وهو يحاول ابقاء رأسه مرفوعة فوق الأمواج العاتية المحيطة به من جهة ويحاول من جهة ثانية أن لا يكون "وطنا بديلا" لموجات الهجرة الضخمة التي تجتاحه من الغرب والشرق والشمال، ولبنان منذ استقلاله يحاول التوازن "استراتيجيا" بين القوى الاقليمية المتصارعة وفي مواجهة دولة الاحتلال في الجنوب وطائفيا في الداخل، وتركيا منخرطة منذ خمس سنوات في محاولة "استراتيجية" لتغيير النظام في سورية، ومتورطة في خصومة "استراتيجية" سياسية مع مصر.

والجميع تقريبا غارق في صراع "استراتيجي" مع الجميع ويستقوي "استراتيجيا" بقوى من خارج الإقليم وبخاصة الولايات المتحدة، بينما ترعى هذه الأخيرة فتوحات استراتيجية حقيقية لدولة الاحتلال في المنطقة وجوارها.

لقد تحول شرقي البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة للغاز الطبيعي بعد اكتشاف حقول ضخمة له في مياهه، وقد كان "قطاع الطاقة وبخاصة الغاز الطبيعي ... أساسا صلبا" للتحالف اليوناني – القبرصي مع دولة الاحتلال.

وينص اتفاق "الشراكة" الاستراتيجية بينهم على مد أنبوب لنقل الغاز من حقوله في مياه فلسطين المحتلة إلى قبرص ثم إلى اليونان كبوابة لتصديره إلى أوروبا، "لتكون اليونان الجسر لنقل الغاز من شرقي المتوسط إلى البر الأوروبي" كما كتب مايكل كيرتس في "امريكان ثينكر" في الثاني من هذا الشهر، وليكون "منافسا" للسيل الشمالي من روسيا والسيل الجنوبي عبر تركيا، لكن بصفة خاصة ليكون "موازنا جيو – سياسيا كفؤا لتركيا" كما كتب محلل أمن الطاقة في معهد البحوث للدراسات الأوروبية والأميركية (RIEAS) ماكريس كوربولوس منذ عام 2012.

ويحظى هذا السيل "الجنوبي – الإسرائيلي" بدعم الاتحاد الأوروبي وتأييد الولايات المتحدة، اللذين يسعيان إلى ضم تركيا كعضو رابع في التحالف الثلاثي، وإن كان "يبدو في الظاهر يستهدف عزل تركيا إقليميا" كما كتب المحلل الإسرائيلي يوسي الفر مؤخرا، ويأملان بضم مصر إليه.

وهذه الشراكة "الغازية" الاستراتيجية بين الحلفاء الثلاث تسير في موازاة شراكة عسكرية لحمايتها، ففي عام 2010 أجرى سلاحا الجو اليوناني والإسرائيلي تدريبات مشتركة، وفي السنة التالية استضاف كل منهما طائرات حربية للآخر في قواعده العسكرية، وفي ربيع عام 2012 وجهت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الدعوة إلى اليونان للمشاركة في مناورات حربية سنوية مشتركة بينهما، لتحل محل تركيا التي انسحبت من المشاركة فيها عام 2011، وتبادل وزيرا الدفاع وكبار القادة العسكريين الزيارات.