أظهرت قراءة جلسات المؤتمر السنوي لـ»معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب»، فجوة كبيرة بين أركان الحكم في إسرائيل، سواء على صعيد القدرة، والقوة، ومنطق الخطاب، والتباينات بين الأحزاب الإسرائيلية، بل وصولا إلى ضعف في الاستراتيجيات الكلية، عدا عن تراجع في مستوى القيادة السياسية والأمنية.
المؤتمر التاسع لهذا العام تناول قضايا ذات أهمية منها، قواعد اللعبة الدولية في ظل التغيرات الإقليمية، بالإضافة إلى تأثيرات الاتفاق النووي مع إيران على المنطقة وإسرائيل، وتأثيرات تواجد القوى العظمى في الشرق الأوسط، في ظل تعاظم الوجود الروسي وابتعاد الولايات المتحدة عن تفاصيل الأحداث وصناعتها بمستويات واضحة.
بالإضافة إلى مواجهة الإسلام السلفي الجهادي وموجات التطرف في المنطقة، والحالة الأمنية في الشمال وقوة حزب الله، مضافا إلى ذلك قوة حماس وتماسك الجبهة الجنوبية، عدا عن الضفة الغربية والواقع الأمني في الأرض الفلسطينية». ومن بين الشخصيات التي تحدثت الجنرال جون ألون، الرئيس الأسبق للائتلاف الدولي لمكافحة الدولة الإسلامية قائلا: «إننا نتجه نحو مرحلة عالمية الدولة الإسلامية وتوسعها كجزء من الصراع العالمي».
وأضاف ألون: «يوجد ثلاثة أطر للدولة الإسلامية، القلب ومركزه سوريا والعراق، الإرساليات، التنظيمات المتضامنة مع التنظيم وانتشارها في العالم، الشبكة التي تربط بين القلب والأطراف التي تدفع بالكثيرين للانضمام للتنظيم.
وتابع ألون: «إن الائتلاف الدولي انتبه منذ البداية بأنه يجب استهداف الدولة الإسلامية، معتبرا أن البغدادي تحلى بالذكاء عندما قام عام 2014 بإعلان الخلافة التي حولت داعش إلى كيان دولي». وأشار ألون «اليوم يوجد العديد من الجهود للنجاح في مواجهة التنظيم، وليس صحيحا أن داعش لا توجد على رأس الأولويات، لذلك يجب تجميع كل قيادات العالم لنقاش آلية مواجهة الدولة الإسلامية، وعلى رأس المشتركين يجب أن يكون العرب لأن هذه مشكلتهم بالتحديد، وعلينا أن نفهم كيف تعمل شبكة التنظيم، وكيف تتوسع وتنتشر، كان الاعتقاد عندما تدخلت روسيا في سوريا أن تساهم في القضاء على الدولة الإسلامية، وإضعاف الأسد، لكن هذا لم يحدث، فيما يتعلق بإسرائيل كلا الخياران سيء، سواء الدولة الإسلامية أو الأسد لكن على إسرائيل أن تتجهز لكليهما بالتوازي».
من جانبه اعتبر رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي جادي ايزنكوت «إن إسرائيل تواجه العديد من التهديدات، أبرزها تهديد حزب الله، بعد أن استطاع إعادة بناء قوته وتسلحه منذ العام 2006، وفي ظل سعي حسن نصر الله للسيطرة على لبنان».
التهديد الثاني من وجهة نظر ايزنكوت هو إيران التي تسعى للسيطرة على المنطقة من خلال حزب الله ونظام الأسد والعديد من الميلشيات الشيعية في المنطقة، حتى في غزة تسعى إيران للتأثير ودفعها لمواجهة إسرائيل».
ختاما تحدث ايزونكت» عن التهديد القادم من غزة، معتبرا انه بعد عقد من الهدوء في الضفة الغربية تعتبر الساحة الفلسطينية التهديد الأكبر على المدى القريب، وهذا يتطلب تفكيرا عميقا وتواضعا في فهم الآخر، كثير من الأمور لا يمكن فهمها ومقلقة جدا، حيث عمليات الطعن غير متوقعة من البداية ومتأثرة من المحيط، في غزة وبعد حرب تسوك ايتان التي استمرت 51 يوما التي ألحقت أضرارا كبيرة للطرفين (للفلسطينيين بشكل اكبر)، نعم سنة 2015 كانت الأهدأ، لكن حماس بدأت بإعادة قوتها والاستعداد لجولة قادمة».
من جانبه «اعتبر موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي وفي رد على قائد أركان الجيش الإسرائيلي، إن إيران على رأس أعداء إسرائيل منوها إلى أنه لو خير بين إيران وداعش لاختار إيران كعدو أول لإسرائيل، وأن الحكومة الإسرائيلية تقف بشكل قوي في مواجهة «الإرهاب الفلسطيني» منوها انه لا داعي لعملية سور واقي 2، حيث أن إسرائيل وفق تعبيره تستطيع الوصول إلى أي مكان لاعتقال «المخربين» بما في ذلك المستشفيات».
وأوضح يعالون أن هناك عددا من الدول العربية التي على رأسها السعودية والإمارات التي يوجد لإسرائيل معها مصالح مشتركة في ظل وجود عدو واحد ألا وهو إيران والإخوان المسلمين، وعلينا العمل على إيجاد صيغة من التعاون مع هذه الدول».
فيما اعتبر السفير الأمريكي دانيال شفيرو «إن الإرهاب هو التهديد المركزي الأكبر وعلينا إيجاد طرق لمواجهته، وفيما يتعلق بالملف الإيراني اعتبر شفيرو، انه يوجد خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن الهدف متشابه، منع إيران من امتلاك سلاح نووي، كذلك تمتلك الولايات المتحدة لنفسها حق استخدام العقوبات الاقتصادية، مضيفا أن التعاون الأمني الأمريكي الإسرائيلي لم يكن في تاريخه مثل اليوم رغم وجود الخلافات حول بعض القضايا».
أما الرئيس الإسرائيلي روبن ريبلين، «اعتبر أن الجهاد السلفي الموجود داخل إسرائيل هو التهديد الأكبر، معتبرا أن هذا الفكر موجود بالقرب من العرب في داخل إسرائيل، وقال أن جزءا من العرب في الداخل يعانون من موجة تطرف ديني، والإسرائيليون لا يفهمون مدى تقبل الجيل الشاب لداعش، حيث الإسلام الراديكالي استطاع أن يستقطب المزيد من المؤيدين».
ومن بين أبرز المتحدثين أيضا كان نفتالي بنت زعيم حزب البيت اليهودي الذي انتقد طريقة تعامل إسرائيل مع الملفات، حيث قال «نحن ننجر وراء هذا الواقع المعقد، ورغم التغيرات الكثيرة في المنطقة نحن نعتقد أن وضعنا مثالي، حزب الله يزداد قوة وأوقفنا الحرب مع غزة دون اتفاق، من حولنا موجة التطرف آخذة في الازدياد في الأردن ومصر، إضافة إلى تعرضنا لنقد دولي واسع».
وأردف بنت «إن أعداء إسرائيل فهموا انه لا يمكنهم الانتصار عليها في ساحة المعركة، لذلك ادخلوا مركبات جديدة في التعامل، وإسرائيل بقيت في الخلف. «علينا أن نتسلح بأفكار جديدة وليس فقط بالسلاح، الطائرة الحربية الجديدة لن تستطيع مقاومة النفق، والقانون الدولي لا يسمح باستخدام كل أنواع السلاح، ومن يتجدد في النهاية سينتصر».
في حين اتجه يائير لبيد زعيم حزب يوجد مستقبل «يش عتيد» المعارض اتجاها آخر في توصيف التهديدات التي تحيق بإسرائيل، معتبرا أن تراجع إسرائيل بالصورة العالمية يعتبر تهديدا كبيرا، وعلينا استعادتها من خلال سياسات خارجية متوازنة، مضيفا أننا نعيش اليوم في عالم مليء بالإرهاب، لا تستطيع الدبلوماسية مواجهته بطرق أخلاقية، بل بطرق إستراتيجية استخباراتية.
وتطرق لبيد لوزارة الخارجية الإسرائيلية، معتبرا أن عليها علاج أمور مر عليها عقد من الزمن، ومنها ابتعاد الجيل الصغير في الولايات المتحدة من إسرائيل، وحركات المقاطعة لإسرائيل وغيرها، معتبرا أن وزارة الخارجية لا تقل أهمية عن الأمن، وعلى إسرائيل تأهيل العديد من الدبلوماسيين ليقوموا بالمهمة.
أما وزيرة الخارجية السابقة تسيبي لفني وزعيمة حزب الحركة «هتنوعا» المعارض، فقد اعتبرت أن أهم ما يجب أن تقوم به إسرائيل إيجاد حل سياسي مع الفلسطينيين، مضيفة انه يجب علينا العمل مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي يؤمن بالسلام».
وأوضحت لفني: «لن يكون هناك سلام في المنطقة وفق قولها من دون سلام مع الفلسطينيين، إبقاء الصراع مفتوحا معناه استسلام للإرهاب وليس صراعا به، مضيفة أننا لا ندير الصراع بل الصراع هو من يديرنا، إسرائيل الآن تفتقد إلى الرؤية واستمرار الأمور على حالها من دون اتفاق سياسي معناه دولة ثنائية القومية، وحينها لن تكون إسرائيل لا دولة يهودية ولا ديمقراطية. وعند حديثها عن موجة «الإرهاب» -الانتفاضة الفلسطينية- قالت انه يجب اتخاذ العديد من التدابير لإيقافها، منها الدعم الاقتصادي وتسليم مناطق».. ومن بين المتحدثين أيضا القيادي المتمرد في حزب الليكود جدعون ساعر حيث أكد أن الوقائع في الشرق الأوسط تشير إلى تغير قواعد اللعبة، واستمرار الأحداث في سوريا معناه زيادة موجات الإرهاب في أوروبا وفي دول المنطقة، الشرق الأوسط هو أساس ازدهار الأيديولوجيات وعلى رأسها الإسلام المتطرف على حد تعبيره.
وأضاف: على إسرائيل أن تكون فعالة وليس فقط في داخل حدودها بل أبعد من ذلك، وفحص إمكانية عمل اتفاق سياسي إقليمي مع الأردن ومصر لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بأفكار جديدة مع أن النجاح غير مضمون.
أما زعيم المعارضة وزعيم المعسكر الصهيوني «همخنيه هتسيوني» يتسحاك هرتسوغ، فقد اعتبر أن الحل السياسي هو الأمثل لإيقاف الانتفاضة الفلسطينية، معتبرا أن التنازل عن المناطق المحيطة في القدس كجبل المكبر والعيسوية، هي الضامن الأبرز لأمن إسرائيل ولوحدة القدس، ففي نفس الوقت الذي علينا أن نعمل به مع العديد من الأطراف لمواجهة التحديات في الشرق الأوسط والتي منها الإرهاب والملف الإيراني وبناء نظرية أمنية لمواجهة الإسلام المتطرف، وعلينا كذلك الوصول إلى حل سياسي مع الفلسطينيين والانفصال عن الفلسطينيين في إطار حل دولتين، اعتقد هرتسوغ انه لم يمت، ولم يفوّت هرتسوغ الفرصة في التهجم على رئيس الحكومة، معتبرا أن على إسرائيل قبل الانفصال عن الفلسطينيين الانفصال عن بنيامين نتنياهو.