نسمة السيد.. فتاةٌ منحها الله تعالى سعةً في الذكاء والفكر، فأحسنت استغلالهما فيما يرضي الله أولاً، ويحقق ذاتها وطموحها ويخدم مجتمعها بطريقة بناءة ثانياً.. أما كيف ذلك.. فلنتابع سوياً: بينما كانت "نسمة" تقف على أعتاب التخرج من كلية الهندسة، واجهتها عقبة "الوضع الاقتصادي" التي جعلتها تتأخر في استكمال تفاصيل الدراسة كغيرها من الطالبات.. لم تستسلم بل وجدت لنفسها طريقةً خاضت من خلالها تجربةً جديدة في الحياة فاكتسبت الخبرة، ووفرت كذلك عائداً مادياً ساعدها على نيل الشهادة بأريحية.. لقد لجأت إلى إعطاء دروسٍ خصوصية، وما سهل عليها ذلك أنها كانت دوماً تساعد زميلاتها على الدراسة أوقات الامتحانات. هذه الفكرة لم تجل في خاطر نسمة فقط، فعلى الرغم من الجدل الدائر حول الدروس الخصوصية والجدوى العلمية التي يحققها الطلبة منها، إلا أن أحداً لا يختلف على كونها وسيلة فكر فيها خريجون كثر، بغرض كسر حاجز الإحباط والتغلب على آفة البطالة التي يواجهونها في بداية مشوارهم العملي. في التقرير التالي نرصد إبداعات شباب واجهوا الظروف الاقتصادية التي عصفت بهم وكادت أن تنهي حلمهم بالتعليم الجامعي من خلال الدروس الخصوصية، فأدوا الرسالة بثوب الضمير وطوروا خبراتهم العملية وحققوا طموحاتهم.. فتخرجوا وكانوا نماذج يحتذى بها على طريق الإبداع والتميز. [title]300 شيقلاً.. ميزانية "الفكرة"![/title] ولنعد عزيزي القارئ إلى حيث نسمة، التي حدثتنا عن تجربتها بالقول :"كنت متميزة في دراستي وكان ذلك يشجع زميلاتي على اللجوء إليَّ لأشرح لهن ما يتعسر عليهن فهمه، فأفعل على الرحب والسعة"، مضيفةً :"حينما واجهت ظروفاً صعبة في آخر سنوات التخرج عرضنَ عليّ أن أعطي دروساً خصوصية لأشقائهن فلم أمانع، وبالفعل تلك الدروس منحتني فرصة لاستكمال مشوار تعليمي حتى التخرج". وتضيف:"ما أمتلك من مهارات عديدة في مجال التعليم والكمبيوتر والطباعة وإعداد الأبحاث وخطط أبحاث التخرج وخطط تنفيذ المشاريع جعلتني أقدم على الخطوة بثقة، وما زاد من عزمي تشجيع والدي ووجود المكان دفعني للتفكير بإنشاء مركز خاص بي". بالمناسبة.. لم تزد ميزانية تنفيذ مشروع الدروس الخصوصية عن مبلغ 300 شيقلاً، وهو الذي لزم لجلب مستلزمات التعليم كالسبورة وبعض القرطاسية بينما الكمبيوتر كان موجوداً لدى نسمة أصلاً، وهو خاصتها. الاستعانة بالتفوق! ولا تختلف قصة سعيد (26 عاماً) كثيراً عن تفاصيل مشوار نسمة، "فالطموح كان ذاته، والرغبة في استغلال القدرات العقلية فيما يعود عليه وعلى أبناء مجتمعه بالنفع الكثير فكرةٌ طرأت في خاطره هو الآخر، ولكن كيف؟.. الشاب تخرج من قسم تكنولوجيا المعلومات لكنه لم يجد عملاً كآلاف الخريجين، فواجه كغيره مخاطر انهيار الأحلام والطموحات تحت مظلة "البطالة".. لكنه لم يرفع الراية البيضاء، بل عمد إلى البحث عن قدراته الذاتية وأعمل إدارتها بشكل جيد، حتى حقق هدفه، قال :"استعنت بتفوقي العلمي لأبدأ مشوار الدروس الخصوصية لطلبة الابتدائي والإعدادي من أبناء حيي وأشقاء رفاقه، وقد أدر علي المشروع دخلاً استطعت من خلاله تأمين احتياجاتي الأساسية"، مؤكداً أن تلك التجربة أكسبته مهارات جديدة في حياته العملية، "وبعد جهد واجتهاد حصلت على وظيفة مميزة في مؤسسة أجنبية كمنسق مشاريع". [title]"إسرائيل" السبب..![/title] أما سونيا (32 عاماً)، فقد قادها تزاحم المسئوليات على كاهلها إلى اتخاذ الدروس الخصوصية لطلبة المراحل الابتدائية سبيلاً لتخطيها وكذلك استكمال دراستها الجامعية. تؤكد الفتاة أنها وتزامناً مع بدء العام الجامعي الأول لها، منعت قوات الاحتلال العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أراضي الداخل للعمل، مما أفقد والدها مصدر رزقه فعجز عن توفير الرسوم الدراسية لها.. ولأن الشهادة الجامعية هدف مرحلي بالنسبة لها، أملت من خلاله تحقيق ذاتها بالعمل واعتلاء مكانة متميزة داخل المجتمع، بدأت تدير فكرة الدروس الخصوصية في رأسها "يميناً وشمالاً"، بدلاً من أوهام الفشل والبكاء على أطلاله.. وراحت تنفذها على أرض الواقع! تكمل :"ذلك منحني القدرة على بناء علاقات اجتماعية مميزة مع الجيران وساعدني على لمس معاناة الغير"، مستطردةً :"الكبد والمعاناة، يفتحان الطريق أمام الإبداع ويوجهان العقل نحو التفكير في بدائل من شأنها أن تقلب موازين المعادلة التي تصيغها الظروف". [title]أهمية الأسلوب التربوي[/title] على الجانب الآخر، هناك تحفظ من قبل التربويون على فكرة إعطاء غير متخصصين بالتربية دروسا خصوصية، حتى ولو كان الأمر يحل مشكلة بعض العاطلين عن العمل. فأستاذ التربية في الجامعة الإسلامية د.داود حلس ينتقد وجود عدد من الشباب الخريج غير المتخصص تربويا في تعليم التلاميذ، وقال :"عدم تخصص الخريج، ومعرفته بالأساليب التربوية وطرق التدريس السلمية، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية على مستوى تحصيل الطلبة"، زائداً على ذلك :"اتجاه الخريجين الفلسطينيين لإعطاء الدروس الخصوصية في ظل ارتفاع معدلات البطالة، وانعدام فرص العمل، أمرٌ لا بد من أن يخضع لمعايير تربوية وأكاديمية حتى تكون النتائج إيجابية"، لافتاً إلى أن كثير من الطلبة الذين أنهوا دراستهم في الكليات العلمية كالهندسة والعلوم اتجهوا إلى استكمال دراسة دبلوم تربوي بواقع 32 ساعة دراسية، ليتعرفوا على أساليب وطرق التدريس الصحيحة التي تمكنهم من تقديم الخدمة بشكل أعمق وأكثر دقة علمياً وعملياً.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.