25.55°القدس
25.16°رام الله
24.42°الخليل
27.11°غزة
25.55° القدس
رام الله25.16°
الخليل24.42°
غزة27.11°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

إضراب المعلّمين إذ يكشف المستور

لمى خاطر
لمى خاطر
لمى خاطر
هنا في الضفة، حيث يغبط بعض الفلسطينيين في الساحات الأخرى الناس هنا على حالهم، على أساس أنه أفضل نسبيًّا من حال سواهم من الفلسطينيين؛ مآسٍ كبيرة وكثيرة تخفيها صورة السطح اللامعة أو المزيّفة، فالسلطة برام الله في تنظيرها الإعلامي عن الديمقراطية والحياة السياسية والنقابية يظنّ من يستمع لخطابها أنها تصون حياة نقابية وسياسية مريحة، وتعتني بتطويرها، وتكفل للناس أدنى حقوقهم، وهو التعبير عن الرأي دون مضايقات.
 
غير أن الواقع الذي تكشف عن ظلامه أحداث كثيرة يؤكّد بوضوح أن كل ذلك التنظير الإعلامي ما هو إلا وهم، يخفي بشاعة غير متناهية تصوّر الكبت والاحتكار والوصاية على كل مناحي الحياة في الضفة، ولعل ذلك المطلب البسيط لتحسين أوضاع المعلّمين وإقالة الاتحاد الحالي غير المنتخب يؤكّد مدى تعنّت السلطة وحركة فتح في هذا الجانب، وكيف أن الحركة غير مستعدة إلى خسارة أي موقع بالانتخاب، حتى لو كان الموقع مجرد نادٍ رياضي في حارة نائية.
 
ولا يقف الأمر عند حدود التجاهل والإصرار على احتكار أي قرار في ساحة الضفة، بل إن الأجهزة الأمنية تتدخل في مفاصل هذه القضايا، وتشرع سيف تهديدها وترهيبها علنًا أو في الخفاء، وإنها تجبر من تهددهم على إنكار تعرّضها لهم أمام الإعلام، كما حدث _مثلًا_ مع سائقي الحافلات الذين منعوا من إيصال المعلمين للمشاركة في اعتصام رام الله أمس، وكما يحدث مع جميع وسائل الإعلام المحلي التي تُجبر على التغريد بما تريده السلطة وحركة فتح فقط، وفتح موجات إعلامية لتعزيز رؤيتها وشيطنة أية رؤية مضادة على الساحة، سياسية أو اجتماعية أو نقابية.
 
فيما يخصّ إضراب المعلّمين تفاجأت السلطة بمدى اتساع الإضراب وإصرار المعلمين على مطالبهم، إلى جانب عدم اكتراثهم بحملات التهديد؛ فلم يكن أمامها سوى ترحيل الأزمة باتجاه حماس، ظنًّا أنها ستخيف القطاع التعليمي وستؤدب جموع المعلمين بحملة الاعتقال التي شنتها في صفوف ناشطي حماس منهم، لكن المفاجأة كانت حين جوبهت إجراءاتها القمعية بمزيد من الإصرار واتساع دائرة الإضراب مع كل ادعاءات الانقلاب التي اجتهد إعلام السلطة في تسويقها.
 
فبمجرد احتجاج أي قطاع نقابي أو مطالبته بإجراء انتخابات تبدأ أحاديث واتهامات الانقلاب والمؤامرة، لأن السلطة مازالت ترى أنه لا يحق لأحد خارج مكوناتها المختلفة التموضع في مراكز القرار السياسية أو النقابية، وهذا الاحتكار الحديدي لمختلف المواقع ترعاه المؤسسة الأمنية رعاية كاملة، وتمارس دورًا أمنيًّا ترهيبيًّا على خصوم حركة فتح يصل إلى درجة الاعتقال والتهديد، أو استدعاء واستجواب كل من يفكر في منافستها، ولولا أن بعض الجامعات الفلسطينية تتمتع بهامش من التحرر من إرادة السلطة وأجهزتها لما أجريت فيها انتخابات.
 
هذا الواقع يحيلنا إلى طبيعة هذه العقلية والكيفية التي ستتعامل بها، لو وصلت المصالحة الفلسطينية إلى لحظة إجراء انتخابات جديدة، ولذلك لم يكن من المبالغة القول: إن الانتخابات ستكون وصفة لحالة نزاع جديدة قد تمهد لحرب أهلية، خصوصًا في ظل استفراد فريق واحد في الضفة بالقوة والسلطة والذراع الأمنية الضاربة الكفيلة بإرهاب الخصوم أو تغييبهم.
 
وإن كانت قضية المعلمين التي هي مطلبية خالصة ودوافعها غير سياسية أو حزبية قد شيطنت إلى هذا الحد؛ فما بالنا حين يدور الحديث عن ملفّات سياسية عليا، وعن انتخابات تشريعية أو رئاسية؟، مع العلم أن حلّ قضية المعلمين يسير جدًّا، لأن السلطة التي تمتلك المال وتتحكم بإيراداته جميعًا يمكنها حلّ الأزمة ببضعة ملايين تقتطعها من ميزانية الوزارات الأخرى، وخصوصًا قطاع الأمن الذي يستهلك مئات الملايين سنويًّا دونما فائدة، إلى جانب البطالة المقنعة التي تصرف تحت غطائها رواتب خيالية لأشخاص لا يعملون ولا يحملون ميزة غير انتمائهم لحركة فتح أو قرابتهم بالمتنفّذين فيها، فإن كانت مشكلة بسيطة الحلّ تواجَه بهذا التعنّت والشيطنة والإقصاء؛ فماذا سيكون الحال مع المشاكل الكبرى الوطنية والسياسية على الساحة؟
 
أتمنى أن يأخذ كل المعنيين عبرًا عميقة من هذه الأزمة وما قد تفرزه، عسى أن يدركوا أن الحلم بالمشاركة في مؤسسات هذه السلطة مجرد وهم لن يتحقق، لأنها بُنيت على باطل وعلى أساس متداعٍ، وعلى نزعة احتكار عظيمة، وأنه إن تحقق فسيفرز أزمات أعمق على المستوى الفلسطيني ويُدخل القضية في مرحلة جديدة من التيه، لعلّها في غنى عنها، وعن إعادة تدوير المسارات الفاشلة.