هناك من كان يظن بأن مجلس الشعب المصري ذا الأكثرية الإسلامية سيقوم بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد بمجرد إقدام (إسرائيل) على جريمة كالتي ارتكبتها مؤخرا في قطاع غزة وذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، وهناك من فقد الأمل لأن دول الربيع العربي لم تتحرك لنجدة غزة كما هو متوقع منها، وظنوا أن الأمور ظلت على حالها رغم نجاح الثورة فيها. ماذا لو فكرنا بواقعية أكثر، وسألنا أنفسنا، أيهما أكبر جرما؛ ما اقترفته (إسرائيل) في قطاع غزة أم اتفاقية كامب ديفيد نفسها؟ لو كان الأمر يتعلق بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى البرلمان المصري بغالبية قادرة على التغيير لتم إلغاء كامب ديفيد من الجلسة الأولى، ولكن الأمور لا تسير بهذا الشكل، فإلغاء اتفاقية دولية مثل اتفاقية كامب ديفيد بحاجة إلى استعداد مصري من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية لتحمل تبعات مثل ذلك القرار. صحيح أن مصر استطاعت أن تخلع مبارك وتهدم أركان نظامه الأساسية ولكنها لم تطهر الصف المصري والمؤسسات المصرية من بقايا ذلك النظام، وكذلك فإن مصر لم تتخلص من شبكات العملاء الإسرائيلية والأمريكية المنتشرة في البلاد والقادرة على إحداث فلتان أمني كبير في حال أعلنت مصر تراجعها عن السلام مع دولة الاحتلال. وكذلك فإن الاقتصاد المصري بحاجة إلى بضع سنوات لتجاوز الدمار الاقتصادي الذي تعيشه مصر منذ أكثر من ستين عاما، فهي حاليا غير قادرة على تحمل أي عقوبات دولية عليها ،فمصر على سبيل المثال تعتمد على الخارج في قمحها ورغيف عيشها. مصر لا يمكنها أن تنطلق بمجلس الشعب وحده ولا يمكن لعملية الإصلاح والتغيير الحقيقية أن تبدأ بدون رئيس منتخب للجمهورية، وأنا أعتقد أن التغيرات الجوهرية والجذرية ستبدأ إذا نجح الإخوان والسلفيون في تنصيب رئيس يدعم أفكارهم وسياساتهم، وحينها يمكن لمصر أن تبدأ بالاستعداد لإلغاء كامب ديفيد والتبعية لأمريكا، ولنصرة القضية الفلسطينية كما ينبغي. أما الآن (قبل ترتيب البيت المصري) فمن حقنا _على الأقل_أن نطالب الجهات المسئولة في مصر بضرورة كبح الإجرام الصهيوني قدر الإمكان، وكذلك نقل ملف الشؤون الفلسطينية إلى أيد أمينة تنتمي لثورة 25 يناير ولا تنتمي لفلول نظام مبارك التي تعرقل الحركة على معبر رفح وتمنع دخول الوقود والكهرباء كما هو متفق عليه مع حكومة غزة، وحتى يشعر الفلسطيني على الأقل بأن ثمة تغييرًا قد حصل وأن نسائم الربيع المصري قد وصلت إلى غزة الصامدة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.