19.45°القدس
19.3°رام الله
18.3°الخليل
24.5°غزة
19.45° القدس
رام الله19.3°
الخليل18.3°
غزة24.5°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

غزة لا تمشي حافية القدمين

فايز ابو شمالة
فايز ابو شمالة
فايز أبو شمالة

تصرخ غزة من شدة الجوع، وتئن تحت ضربات الحصار، وتلهث غزة خلف المعابر، تراقب المسار، وتتشوق إلى سماع الأخبار، ولما تزل غزة بشوق كي تطلق ساقيها إلى الريح، لتزهو فرحًا فوق الغيم، يجللها العطر كصبح ترقبه الأزهار، ولكن غزة الجريحة الأسيرة ترفض أن تقايض كرامتها بلقمة خبز، أو فرصة عمل في المستوطنات الإسرائيلية، وترفض غزة أن تغمس ساقيها في مستنقع المذلة، وترفض أن تبيع طاقة أبنائها وقدراتهم الجسدية إلى عدوهم، لتصير وظيفتهم الرسمية عمالًا في المستوطنات الإسرائيلية، فيا للعار!، كيف يدعي مسئول فلسطيني أنه يحارب الاستيطان اليهودي في الوقت الذي ينسق فيه مع الاحتلال آلية فتح بوابات المستوطنات للعمال الفلسطينيين؟!

ترفض غزة أن تبيع شرفها الوطني في سوق التنسيق الأمني، فهي تعرف أن حصارها الاقتصادي له أبعاد سياسية، وتعرف أن تجويعها وتقطير الماء في عروقها لهما مسارب الركوع على ركبتين متورمتين من العمل الذليل في المدن الفلسطينية المغتصبة التي صار اسمها (إسرائيل)، وصار الشرط لمن أراد الحياة على أرضها أن يكونوا خادمًا لليهود، كما قال الحاخام الشرقي يتسحاق يوسف في درسه الديني يوم السبت بتاريخ 27/3/2016م.

ترفض غزة أن ترسل في كل صباح مئات الحافلات التي تقل أكثر من مئة وأربعين ألف عامل عربي فلسطيني من الضفة الغربية، ضيقت عليهم السلطة الفلسطينية سبل تحرير أرضهم، وصادرت حقهم في المقاومة، ليصادر عدوهم الإسرائيلي حقهم في العيش فوق أرضهم التي أطلق عليها بعد اتفاق (أوسلو) اسم منطقة (c)، ليتغير معها اسم منظمة تحرير فلسطين ليصير منظمة تأمين المستوطنين، وتنظيم وصول الحافلات المحملة بالعاملات والعاملين، والمكلفين بتعمير المدن المحتلة عام 1948م، وتنظيف شوارعها، وتنسيق الزهور في حدائقها، وزراعة حقولها، وتشغيل مصانعها، وصناعة القهوة للنساء اليهوديات، ثم العودة إلى معازل الضفة الغربية محملين بسقط المخلفات، وبعض الشواكل المغمسة بالدمع والعذابات.

غزة ترفض أن تقايض أرض فلسطين ببعض الشواكل الرخيصة، ولذلك حملت البندقية، وحفرت أنفاقًا للمقاومة، وهي تستعد إلى يوم تسترد فيه حق الشعب الفلسطيني كله في امتلاك أرض فلسطين كلها، وهي تعض على وجع اللحظة، وتسترجع الذاكرة الجمعية لسكان غزة قبل عشرات السنين، حين كانت غزة تذهب إلى المدارس حافية القدمين، وحين كانت تنتظر وجبة الإفطار من مراكز التغذية التابعة لـ(أونروا)، وحين كانت ترتجف من شدة البرد، ولا تجد تحت الخيام ما تستر به جسدها النحيل، ومع ذلك رفضت غزة الهزيمة، ورفضت السكينة، ورفضت أن تقايض الوطن فلسطين بالتوطين.

حدثني وزير العدل السابق الأستاذ فريح أبو مدين فقال: "كان وضعنا المادي جيدًا مقارنة ببقية اللاجئين، وقد اشترى لي والدي حذاءين، فحين لبستهما ودخلت بهما المدرسة صرت أعجوبة بين الطلاب، لقد التفوا من حولي، يتفرجون على حذاءي، فأنا الوحيد الذي يلبس حذاءين في مدرسة مخيم البريج للاجئين، لذلك قررت في اليوم التالي أن أخفي حذاءي في صريف الصبر على طريق المدرسة، وأن أدخل المدرسة حافي القدمين كبقية الطلاب".

غزة المحاصرة لا تمشي حافية القدمين، ولما تزل تجد قوت يومها، ولما تزل تجد المأوى لأهلها، ولشعبها القدرة على التكافل الاجتماعي، والصمود مئة عام أخرى، ولن تركع غزة أبدًا، لأن فيها إرادة المقاومة قبل أن تكون فيها بندقية المقاومة.