إنّ من أعظم خصائص الإسلام كونه دينا يسعى للارتقاء بالإنسان إلى المعالي، وبينما لا يحدد سقفا للارتقاء والمزيد إلاّ أنّه يضع حدا أدنى لا يُقبل من المرء النزول دونه حتى يستقر الإيمان في نفسه، والأخلاق في تعاملاته، ويصبح الحسن معدنه والخير ديدنه في الرخاء والشدة والعسر واليسر والفراغ والشغل. فأخلاق الإسلام حالة دائمة وليست صفات موسمية مرتبطة بوقت، بل إنّ فقه المواسم في الإسلام يزيد الصفات متانة ورسوخا وإقبالا على الطاعات. ومن الأخلاق الأساسية البرّ بالوالدين الذي جعله الله قرين الإيمان به سبحانه، فكلما زاد الإيمان زاد البر بالوالدين، وحتى لو فتر الإيمان فإنّ للفتور آدابا تبقى معها الفريضة إلزامية حتى لو تساهل المرء في السنن. فبرّ الوالدين، الأم خصوصا، من منازل الإيمان، ولذلك فإنّ حصره في يوم أو مناسبة هو انتقاص لهذا الإيمان الذي يتوقّع الله من العبد أن يمارسه دوما بأحسن ما استطاع إليه سبيلا، ولذلك جعله من أسباب دخول الجنة، ولو كان دخول الجنة بهذه السهولة لقبلنا أنّ يوما أو مناسبة قد تفي بالغرض، ولكن سلعة الله الغالية تحتاج إلى عمل متصل دؤوب، وثمن مدفوع على امتداد العمر. وإذا كان لا بد أن نرضخ لتيار غريب عن معتقداتنا فيما يعرف بيوم أو عيد الأم، وهو يدل على تفريطنا بمبادئنا السامية، التي تجعل من أعمارنا كلها في خدمة أمهاتنا وتجعل كل يوم من حياة أمهاتنا عيدا لنا، فلنسعى للسمو بممارساتنا ليكون لها معنى ورسالة أكبر من كلمة معايدة أو هدية مهما غلا ثمنها. الشاهد على القول ما عاينته من قصة ابنة أهدت لأمها السيدة ذات التعليم البسيط جدا 17 عشر جزءا من القرآن حفّظتها إياها، وهي من أصحاب السند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقراءات العشر، وهذه الأجزاء السبعة عشر هي كل ما تبقّى من ذاكرة الأم التي أصيبت بمرض تلف الخلايا الدماغية الذي أفقدها معظم ذاكرتها القديمة والحديثة، ولكنه لم يُنسِها السبعة عشر جزءا التي حفّظتها ابنتها إياها والتي ما زالت تصلّي وتقوم الليل بها. لم تكتف الابنة أن تهدي أمها تاج الوقار يوم القيامة بحفظها هي للقرآن، بل أرادت أن يكون لأمها وسيلة ترتقي بها في الجنة بقدر ما ترتّل من آي القرآن. الحب ليس حبا إذا احتاج للاستسقاء، والبرّ ليس برا إذا حصرناه بالأيام، فالحب إنّما يزداد للآخرة فإن انقطع قبل الموت حبط العمل وضاع السعي.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.