يحيي الفلسطينيون في الخامس عشر من مايو/أيّار من كل عام ذكرى النكبة وبداية رحلة التشرد في شتات الأرض بعدما اقتحمت مجموعات العصابات الصهيونية تحت غطاء ودعم من قوات الانتداب البريطاني القرى والمدن الفلسطينية المختلفة عام 1948 وبدأت بعمليات قتل وتطهير عرقي وتهجير للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم.
مسلسل الهجرة
لم تكن نكبة الفلسطينيين عام 1948م والهجرة التي لحقتها محطة المعاناة الوحيدة، بل تلاحقت النكبات والهجرات على الفلسطينيين أينما حلّوا، حتى باتت "الهجرة واللجوء أشبه "بوجبة يومية" للفلسطيني.
ففي منتصف الخمسينيات أضرب عمال فلسطينيون عن العمل للمطالبة بحقوقهم، أسوة بالعمال الآخرين في كلٍ من السعودية والعراق وليبيا فكانت النتيجة التهجير والطرد والترحيل من البلاد.
وفي عام 1991م تعرض الفلسطينيون لأكبر موجة من الترحيل منذ عام 1984م، حيث رحلت الكويت نحو مائتي ألف فلسطيني بعد وقوف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مع الرئيس الراحل صدام حسين في غزوه للكويت، وفرّ مائتا ألف أخرين خلال الغزو، ورفضت السلطات الكويتية عودتهم للبلاد بعد انتهاء الحرب.
وبعد اتفاق "أوسلوا" الذي وقع بين الإسرائيليين ومنظمة التحرير عام 1993م ونتج عنه إنشاء السلطة الفلسطينية، رحّلت ليبيا عشرات آلاف الفلسطينيين الذين كان يقيمون منذ فترة طويلة في البلاد.
وفي عام 2003م، فرَّ أكثر من 21 ألف فلسطيني من العراق إثر الغزو الأميركي له، بعد عملية ملاحقة واضطهاد ممنهج تعرض لها الفلسطينيون فيه.
وتواصل مسلسل هجرة وتشريد الفلسطينيين، وهذه المرة كانت لبنان هي المحطة الجديدة، ففي عام 2007م نزح نحو 32 ألف فلسطيني من مخيم نهر البارد شمال لبنان بعدما شن الجيش اللبناني هجوما ضد "تنظيم فتح الإسلام"، مما أدى لسقوط مئات القتلى والجرحى وتدمير المخيم.
نكبة لاجئي سوريا
كانت سوريا من أولى الدول التي لجأ إليها الفلسطينيون إبان النكبة، وقدر عدد اللاجئين إليها في ذلك الوقت بتسعين ألف شخص جاء معظمهم من الشمال الفلسطيني، ووصل عددهم في عام 2008 إلى 520 ألفا بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ومع بداية الأزمة السورية، لم تتمكن الفصائل والحكومة السورية من تحييد المخيمات، وتعرضت لما تتعرض له مناطق الصراع السورية؛ الأمر الذي دعا بعض الفلسطينيين إلى هجرة جديدة ورحلة نزوح أخرى هربا من الموت، فيما اختار آخرون البقاء في المخيمات تحت القصف.
ويعدّ مخيم اليرموك في دمشق أكثر مخيمات اللجوء الفلسطينية تضررًا والذي تقلص عدد سكانه من أكثر من مليون إلى نحو 18 ألفا محاصرين منذ منتصف عام 2013م في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، حيث قضى أكثر من 167 شخصا بسبب الجوع والجفاف وانعدام الغذاء.
وبدأت رحلة الهجرة والشتات مرة أخرى، ففر الفلسطينيون من مخيمات اللجوء إلى أي منطقة آمنة على هذه الأرض، فسمحت لبنان بدخول نحو 30 ألف لاجئ فلسطيني، بينما رفضت الأردن استقبال عدد منهم، وتوزع مئات آخرين بين قطاع غزة ومصر ومناطق سورية أكثر أمنًا.
ومع اشتعال المنطقة، بحث الفلسطينيون عن مواطن لجوء جديدة لا تطردهم ولا ترحلهم، فتوجهوا إلى الدنمارك والسويد وهولندا وألمانيا والهند والبرازيل وتشيلي والأرجنتين والأورغواي وكولمبيا وماليزيا وتايلند.
وبعد مرور 68 عامًا؛ ورغم استمرار معاناة الفلسطيني للتشريد والتهجير في مختلف بقاع الأرض حتى اليوم، إلا أنه ومع كل تشتت ومعاناة يزداد الأمل ويكبر الحلم بعودة قريبة للأرض المسلوبة تمحو كدّ السنين وكدر الأيام.
