18.64°القدس
18.44°رام الله
17.75°الخليل
24.42°غزة
18.64° القدس
رام الله18.44°
الخليل17.75°
غزة24.42°
الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
4.95جنيه إسترليني
5.35دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.15يورو
3.79دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.95
دينار أردني5.35
جنيه مصري0.08
يورو4.15
دولار أمريكي3.79

معركة "فصل الخطاب" في تشكيل الوعي الثوري

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

(1)

ما زالت تبرع المقاومة في إدارة ما تسمى حرب الكلمة، وهي تخوض حربًا مفتوحة على أكثر من صعيد في مواجهة كيان الاحتلال العنصري (الكيان العبري)، فمرّة هي تواجهه بحرب بيانات تخاطب فيها جمهورها الحاضن لها ومعينها الذي لا ينضب، وأخرى تخاطب فيها الرأي العام الصهيوني؛ لتكشف كذب قادتهم في ادعائهم تحقيق إنجازاتٍ في كشف أحد أسرار السلاح الإستراتيجي (الأنفاق)، الذي ليس الوحيد الذي برعت المقاومة بإدخاله في الخدمة القتالية في المواجهة الحيّة مع جيش زعم أنّه لا يقهر (الجيش الصهيوني).

وتارة نجد المقاومة تُدير حرب المعلومة الأمنيّة، ولاسيما في شأن الأسرى من جنود الاحتلال، وقد أصبح الكشف عن هذا الأمر لغزًا محيّرًا بعد أن أُدخلت كلّ معلوماته في غياهب الصندوق الأسود.

وهذا ما سيزيد من الضغط على حكومة الاحتلال الهزيلة؛ فتُسرع متعجلة خشية التحرك المتنامي للشارع الصهيوني في اتجاه ضاغط عليها، لأجل الاستجابة إلى مطالب المقاومة وشروطها، التي تقضي بإتمام صفقة "وفاء الأحرار (2)" بعدما أُنجزت الأولى منها بكل نجاح وتوفيق في كل مراحلها.

(2)

أجل، إنّ هذا الصراع هو في حقيقته ما يسمى الحرب النفسية التي تقوم على نزال الأدمغة؛ فيكون للكلمة أو الصورة التأثير الأكبر في حسم المواجهة، والقول الفصل الذي "يقطع قول كل خطيب".

فمن يمتلك صناعتها المؤثرة فهو يمتلك بذلك مهارة تحطيم إرادة العدو في مزيدٍ من المواجهة ودون قتال، لإقناعه بـ"اللغة التي يفهم" بعدم جدوى معاندتنا في استرداد حقوقنا كاملة وتقرير مصيرنا.

وإنّه لم يعد معقولًا الوجود في جبهة المدافعة وحدها كي نواجه أساليب الحرب النفسية من جهة عدونا وأدواته (الطابور الخامس)، وقد شاءت إرادة الله أن نحقق قدرنا في المواجهة بالهجوم المركز في هذه المعركة التي امتلكت فيها المقاومة تقنياتها وأساليب تفعيلها، وقطعت شوطًا محمودًا في هذا الصراع، لربما آن لنا به أن نُغادر إلى غير رجعة مسرح الانفعال لا الفعل.

(3)

وقد استقرأنا تاريخنا الذي وجدناه حقًّا حافلًا باستخدام أسلافنا لتلك الحرب بمهارة عالية، وإتقان متميز، في إدارتها وفي الإجادة التامة لابتداع أساليب لها ووسائل لم تكن من قبل، وقد "نصرنا بالرعب مسيرة شهر".

فهذا يوم الفتح (فتح مكة) وقد دخلت جحافل المؤمنين البلد الأمين دون قتالٍ يذكر، بعد أن اخترقت أساليب الحرب النفسية كلّ التحصينات الدفاعية النفسية لقريش وزعيمها وقتذاك أبي سفيان بن حرب، وحيدت قبائلها عن المقاومة والمجابهة وأزعنت للوعد الحق.

وكانت كلمات حسان بن ثابت "شاعر النبوة" أشدّ على الأعداء من رمي النبل وجلد السيوف، فالكلمة لها التأثير البالغ والسحر على النّفس، "إن من البيان لسحرًا".

(4)

وعند الحديث عن المتطلبات الأساسية لنجاح تلك الحرب والظفر في هذا النزال لابد من التعرف إلى نفسية العدو الذي نقاتله، وذلك ميسور لنا بفضلٍ من الله، وقد كشف لنا نفسية عدوّنا التي هي أحرص على حياة أيًّا كانت هذه الحياة، وتكره الموت تحت أي ظرفٍ (الوهن)، قال (تعالى): "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ"، فهم أكثر تأثرًا بأساليب الحرب النفسية، وقابليتهم للتأثر كبيرة.

وهذا ما يحتّم علينا مغادرة المرمى الذي كنا نواجه فيه سيولًا من الشائعات والأقاويل المفبركة تحت التأثيرات الإعلامية الرخيصة، التي كانت تتوارد علينا كأعواد الحصير واحدة إثر الأخرى، وكان لهذا أثر كبير في خلق مناخات مُلبدة باليأس والإحباط، ولربما أوجد رأيًا شاذًّا على المستوى العام في بعض الأحيان معاديًا للتّوجهات الوطنية.

والواجب على القائد الذي يريد النهوض بشعبه أن يسيطر على عقول أعدائه بطريقة أو أخرى قبل أبدانهم باعتماد مبدأ المبادرة بالهجوم.

وهذا ما أجاده أسد حماس (القائد عبد العزيز الرنتيسي)، وقد ظهر في خطاباته الشهيرة المسجلة التي تكشف ثقته العظيمة بنصر الله، وإيمانه بتحقيق الغلبة في جولات الصراع، يوم توعد بأن تصل الصواريخ إلى حيفا وصفد والخضيرة (...)، وقد وصلت بعد بضع سنوات من استشهاده، يا لروعة الثقة وقوة الإيمان الذي كشف له بعض مكنون الغيب!؛ فلم يكن يرى الكيان أكثر من بيت عنكبوت واهٍ، وإن انخدع فيه الواهمون.

وهذا في الحقيقة واقع الكيان العبري الذي لا يعدو إلا خدعة بصرية سيكشفها الوقائع، وليس أدل على ذلك إلا ما قاله قادته الأوائل في كتبهم، فهذا (مناحيم بيغن) في كتابه التمرد يقول: "يجب أن نعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم، فيطلعوا على وسائلنا الدعائية، فإذا استفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعامتها وأسسها؛ فعندئذ سوف لا تفيدنا مساعدات أمريكا وتأييد بريطانيا وصداقة ألمانيا، وسنقف أمام العرب وجهًا لوجه، مجردين من أفضل أسلحتنا".

نعم، فإن صناعة الإعلام، ومهارة استخدام تقنياته الحديثة في نشر وترويج الأفكار والأخبار، بغرض التأثير في معنويات الأعداء الصهاينة، أو خلق اتجاهات ضاغطة تعمل في مصلحتنا؛ من أهم ركائز الحرب النفسية.

(5)

ولكنّ الواجب الحذر من الوقوع في شَرَكِ الاندفاع بتكذيب الشائعات والأراجيف التي يطلقها العدو عبر أبواقه المملوكة أو المأجورة، في سياق مواجهة سيول الاتهامات بأسلوب غير مدروس؛ فإنّ من شأن ذلك إيجاد حاضنة لاستنساخ كثير منها وتسريع ترويجها.

فإعلان تكذيب الشائعة هو نفسه تكرار لمضمون الشائعة هذا من جانب، ومن جانب آخر قد يتأثر المتلقي بالشائعة وتؤثر في ردّه.

ومما يجب الحذر منه في هذه الحرب المفتوحة في تشكيل الوعي المسارعة إلى إصدار بيانات أو إطلاق تصريحات تستند إلى وقائع أو معلومات غير دقيقة؛ فإن من شأن ذلك أن يضعف الموقف في مواجهة ما تتضمنه الشائعات، فيعطيها الفرصة لتحقيق ما أطلقت من أجله.

فإنّ تدعيم الإيمان بالحق هو الركيزة الأساسية في صناعة الحرب النفسية، وتحصين المجاهد بكل ما هو ضدّها.

غير أنّ الإيمان بعدالة قضيتنا هو ما يجب أن يكون العمدة في سياسة الهجوم المركَّز الهادف، الذي ينأى بنا بعيدًا عن الارتجال والعشوائية في هذه المعركة الأخطر لتشكيل ديمومة الوعي الثوري، لأنّ ردات الفعل غير المحسوبة مغامرة بل مقامرة مدمرة النتائج، لذا يجب الحذر منها كلّ الحذر.