20°القدس
19.8°رام الله
18.86°الخليل
25.3°غزة
20° القدس
رام الله19.8°
الخليل18.86°
غزة25.3°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

نتنياهو في مأزق جديد

منير شفيق
منير شفيق
منير شفيق

يقول بيت من الشعر العربي ذهب مذهب الأمثال: "إذا أقْبَلَتْ باضَ الحمامُ على الوَتَدِ *** وإذا أَدْبرَتْ بالَ الحمارُ على الأسدِ".

والمعنى هنا واضح في الحالتين: في حالة الازدهار والنهوض والتقدّم والانتصار، وفي حالة التراجع والانحطاط والهزائم والانكسار.

ففي الحالة الأولى _وهي تنطبق على الأفراد والجماعات والدول_ حين تُقبِل الأمور في مصلحة نجاحهم وتوفيقهم قد تصل إلى حدّ أن يبيض الحمام على الوتد، وهو من الخير الذي يُشبه المحال.

أما الحالة الثانية حين تبدأ المصائب تتلاحق الواحدة بعد أخرى، وتُدْبِر الأمور في غير ما يشتهي الأفراد والجماعات والدول؛ فقد تصل إلى حد أن يبول الحمار على الليث الضرغام، وهو من السوء الذي يُشبهُ المحال.

هاتان الحالتان مرّتا على الوضع الصهيوني، فكانت مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين واحتلال فرنسا وبريطانيا أغلب البلدان العربية، ومن بعدها مرحلة ما بعد إقامة الكيان الصهيوني وصولًا إلى نهاية القرن العشرين، وهي المراحل التي تمثلت بالإقبال عليه حتى كاد الحمام يبيض على الوتد.

أما الحالة الثانية فهو الآن فيها، ولاسيما منذ هزيمته في حرب تموز (يوليو) 2006م في لبنان، ثم هزائمه العسكرية في حروب: 2008م - 2009م، و2012م، و2014م في قطاع غزة، مع هزيمة الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، والانهيار الاقتصادي العالمي في عام 2008م، وفشل مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد، إنها مرحلة الإدبار التي يكاد يبول فيها نتنياهو على نفسه.

من يتابع بدقة أخبار الكيان الصهيوني الداخلية؛ يجد ذلك يتجلى في المعنويات العامة الهابطة لجيشه ومجتمعه.

وهنا يكفي مشهدان: مشهد الشاب الفلسطيني وهو يواجه جنديًّا في جنوب فلسطين والجندي يهرب منه ومن سكينه حاملًا سلاحه الناري، أما المشهد الثاني فحالة الطوارئ، أو ما يشبه حالة منع التجوّل في تل الربيع طوال الأيام السبعة بعد عملية نشأت ملحم المتواضعة بقتل اثنين وهروبه وعدم العثور عليه إلا بعد أسبوع، وكان ذلك كافيًا ليلتزم سكان تل الربيع بيوتهم إلى أن يُكتشف نشأت ملحم ويُقتَل خارج تل الربيع.

ثم أضف ما يدور من صراعات داخلية حتى على مستوى الائتلاف الوزاري الهش، ما يترك سياسة الحكومة متخبطة مرتبكة في مواجهة الانتفاضة، أو معالجة المشكلات التي تواجهها كل حكومة، هذا إلى جانب تدافع أخبار الفساد، وكان آخرها _وليست الأخيرة_ الفضيحة التي لحقت بوزير الداخلية.

ولعل تقرير "مراقب الدولة" عن حرب غزة 2014م وتسريبه قبل أسبوع من الأمثلة ذات الدلالة على أن الكيان الصهيوني _لاسيما حكومة نتنياهو وجيشه_ قد دخل حالة الإدبار، فضلًا عن تدهور علاقاته الخارجية بحماته وحلفائه الدوليين، وسلبية الرأي العام الغربي تجاه سياسات نتنياهو.

لقد جاء في التقرير المذكور ما يفيد بأن نتنياهو "تخاذل في الحرب مع حماس، وتراجع عن محاربتها"، الأمر الذي وجّه صفعة قويّة إلى وجه نتنياهو، لاسيما أمام حلفائه الذين يزايدون عليه، في حين يحاول أن يظهر أنه أكثر منهم صلابة وتطرفًا.

وأشار التقرير إلى أن إخفاقات خطيرة وقعت في حرب عام 2014م في مجال اتخاذ القرارات، أو طرق تنفيذها، وفي مجال المعلومات الاستخبارية، لاسيما في اكتشاف الأنفاق التي امتد بعضها مئات الأمتار داخل الأراضي التي تحت سيطرة الجيش الصهيوني.

وهذا _لا شك_ مجرد جزء مما ورد في التقرير، أي الجزء الطافي في البحر من جبل الجليد، فهنالك _على سبيل المثال_ الهزيمة العسكرية التي مُنِّيَ بها الهجوم في أسبوعيْه الأوليْن، ولماذا تحوّل إلى القصف، وأدام الحرب 51 يومًا، وقد حُسِمَت نتائجها منذ الأسبوعيْن الأوليْن.

المسؤولية التي يوجهها التقرير عن الأخطاء والنواقص تقع أول ما تقع على عاتق نتنياهو، كونه رئيس الوزراء والمسؤول المباشر عن قرار الحرب وإنهائها، إلى جانب مسؤوليته الإدارية عن الجيش، الأمر الذي يزيد من عرج نتنياهو الذي أصبح يوصف بالبطة العرجاء.

وهنالك إلى جانب نتنياهو يتجّه التقرير إلى تحميل مسؤولية رئيسة إلى موشيه يعلون وزير الحرب، وإلى بيني غاتس الذي كان رئيس أركان الجيش في حرب 2014م على قطاع غزة.

وهؤلاء أصبحوا الآن تحت مرمى الانتقادات الشديدة، من الأحزاب والتكتلات المنافسة والصحافة، ومن أهالي القتلى من الجنود، وقد راح الأخيرون يطالبون بنشر التقرير كاملًا، وتشكيل لجنة تحقيق مثل لجنة (فينو غراد) التي حققت في حرب 2006م على لبنان، وكان من نتيجتها الإطاحة بعدد كبير من الجنرالات، وفي مقدّمهم دان حالوتس رئيس أركان الجيش آنذاك، ووزير الحرب عمير بيرتس، وكانت بداية السقوط السياسي لرئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت.

بعض راح يسمّي تقرير المراقب بأنه الزلزال الذي يضرب الكيان الصهيوني الآن، وقد أصبح نتنياهو وحكومته على شفا شفير أو الهروب لإعادة الانتخابات.

صحيح أن نتنياهو سيحاول الإفلات من نتائج هذا التقرير، وصحيح أن ثمة ظروفًا أشدّ خطورة تحيط بالكيان الصهيوني في هذه المرحلة، ما يغلّب الميل إلى تهدئة الأزمة والتناقضات، ولكن ما يجب التركيز عليه هو التحقق في تقدير الموقف أن حكومة نتنياهو وجيشه والوسط السياسي والوضع الداخلي في أزمة عميقة، كما أن الوضع الدولي للكيان الصهيوني في أزمة عميقة.

هذا ما يجب أن تدركه قيادات الفصائل الفلسطينية ليكون حافزًا على انخراطها، وتوّحدها في الانتفاضة للذهاب بها إلى العصيان المدني الشعبي السلمي، الذي سيفرض إلى جانب ما تمارسه الانتفاضة من أشكال مقاومة على نتنياهو وجيشه الانسحاب من القدس والضفة الغربية، وتفكيك المستوطنات، بلا قيد أو شرط، وإطلاق سراح كل الأسرى، وفك الحصار عن قطاع غزة.

موازين القوى وأزمة الكيان الصهيوني تسمحان بتحقيق هذه الأهداف بإذن الله.