آلمتني جداً تلك الرسالة التي سُربت من زنزانة الأسير الحقوقي الشاب فؤاد الخفش، وهو يصف فيها حال القذارة التي وصلت بالاحتلال للتعامل مع أسرانا الأبطال في الزنازين العفنة، بأدنى ما يقال أن زنازينهم التي يطلقون عليها "قبور" بمعنى الكلمة، فاقت بتصورها أكثر من ذلك. ربما لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أقرأ أو أسمع فيها وصفاً مفصلاً لشكل زنازين الاحتلال ولكن مع ذلك لم أكن أتوقع أن يصل الأمر لهذا الحد من القذارة، فالموتى في قبورهم حُفظت لهم إنسانيتهم وكرامتهم حتى في موتهم، أما الأسرى فلا يَعتبر سجانهم المُجرم لإنسانيتهم أي اعتبار. يقول الأسير الخفش المعزول في رسالته: " في هذه الزنزانة الضيقة لا هواء ولا حياة في زاويتها علما أن مساحتها فقط متر ونصف في 180 سم فقط، توجد فرشة رقيقة من الإسفنج التالف عليها آثار دماء قديمة وآثار طعام (استفراغ) يبدو أن أسيرا ما كان قد دخل هذه الزنزانة وهو مصاب ومضروب من قبل السجان، راحة هذه الزنزانة نتنة من اللحظة الأولى وبالرغم من إضرابي عن الطعام ومعدتي الفارغة إلا أنني شعرت بالرغبة في الاستفراغ، أغمضت عيني ولم أستطع أن آخذ نفس عميق بسبب الراحة النتنة وشعرت بحالة من الغثيان والدوخان فقررت الجلوس ولكن أين أجلس، فأعقاب السجائر تملأ المكان، وكل شيء يشير إلى أن الزنزانة من وقت طويل لم تُنظف وأن أسرى جنائيون كانوا في المكان، فجلست على طرف هذه الفرشة القذرة فتطاير الغبار منها ليستقبله أنفي وتبدأ معركة جديدة من العطاس والرشح دون أن أملك محارم أو ما شابه" .. لم ينتهي كلام أسيرنا، فهذا جزء يسير من معاناته كأي أسير في سجون الاحتلال. لا أعتقد أن وصف الزنزانة بهذا الشكل كان فيه نوعاً من المبالغة بل إنه أقل ما يَصِف به آدميين عُزِلوا عن العالم ودُفِنوا قَصراً وجَبراً لِحَالهم، فكيف إن كانت هذه الجريمة بحق أبطال عاشوا وناضلوا من أجل الوطن والقضية. خلال متابعتي لإحدى القنوات العبرية، رأيت أن سلاح البحرية الصهيونية يتغنون بشعار أثار إعجابي واستغرابي؛ يرددون فيه "أخي .. سيفي .. كرامتي"، عجباً لنا إن كان أهل الباطل يتغنون بهكذا الشعار، ونحن أهل الحق أولى به منهم فلا هم إخوة، فقد قال الله تعالى فيهم "بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ"، وليسوا هم أهلاً لحمل السيف فقد قال فيهم المولى تبارك وتعالى أيضاً "لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ"، أما عن الكرامة فليس لهم منها شيء في أرضٍ هم مُعتدون ودخلاء عليها، وسماء هم غربانٍ فيها، وبحرٍ هم قراصنةٍ عليه. إن المتابع لوضع الأسرى عن كثب وينظر لحالهم بعينٍ متفحصة، يدرك أن كل الجهود التي تُبذل من أجلهم - وهي مُقدرة - لا ترقى فعلياً لحجم الجرائم والعذابات التي تُرتكب بحقهم ليل نهار، فالقضية أكبر من الجميع وهي وطنية بامتياز تحتاج للهمم والسواعد ولا تحتمل التغني والاستعلاء. أرى أننا يجب أن نتخذ العبرة من شعار البحرية الصهيونية فكما ذكرت نحن أولى به منهم؛ فقد غَيب هؤلاء المجرمون إخواننا خلف السجون وقبروهم قبل مماتهم، وامتهنوا كرامتهم ويحاولون في كل ليلة وضحاها أن يدوسوها بقذارتهم وعنصريتهم المقيتة، لكن أنى لهم وما بقي لنا غير السيف لاستعادة من تبقى من إخوتنا وكرامتنا، ولنا في قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالجهاد فإن ابتغينا العزةَ بغيره أذلنا الله" خير شاهدٍ ودليل، أن السيف فيه العزة، فما لليهود من عهدٍ بالسلام وقد صدق فيهم قول الله جل وعلى: "أَوَ كُلّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نّبَذَهُ فَرِيقٌ مّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ" وما يبغون منا إلا الانحناء والاستسلام. وهنا لابد من همسة أخيرة قبل الختام أهمس بها في أذن كل حرٍ وغيورٍ على وطنه وشعبه وأهله، لأقول أن مهمة كل واحدٍ منا في تخصصه سيف، بل إن الكلمة التي تُدافع بها عن الأسرى وتَشُد فيها من أزر أهليهم سيف، والفكرة سيف، والموقف سيف، والوحدة سيف؛ والمقاومة سيف، والسياسة سيف، فلا وقت الآن لأن يبقى السيف في غمده للحظة وآن الأوان لأن يُشهر ويعلو صوت صليله بقوة، لنستعيد لإخواننا الأسرى ولنا كرامتنا المسلوبة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.