لم أستطع أن أطفأ جذوة قلمي المشتعلة حرقة على فراق العلامة الفقيه والقائد الواثق الشيخ النائب حامد البيتاوي ، تلك الشعلة التي استمدت حرارتها وشعلتها من قلب انفطر حقاً على وداع هذا العالم الفذ الذي ما فتأ يدافع عن حمى المقاومة والدعوة والحركة الإسلامية . لم يكتب ربي جل وعلا لي أن ألتقي هذا العملاق والجبل الأشم ، لكنني وبكل افتخار استطعت ونظراً لطبيعة عملي التواصل أكثر من مرة مع الشيخ عبر الهاتف ولأجل أن أقدم شيئاً بسيطاً أود أن أنشر انطباعاتي عن هذه المقابلات التي كثيراً ما تحولت إلى حديث جانبي كان يملأ قلبي إيماناً ويقيناً وحباً وصدقاً وكان آخرها قبل عمليته الأخيرة بأيام قليلة .. أولاً: كان لترحيبه الشديد بي كإنسان من قطاع غزة طابع خاص ، فكثيراً ما تحدثت مع سياسيين إسلاميين وغيرهم ، لكنني حين كنت أحدثه وأعرفه بنفسي سرعان ما تجد الترحيب الشديد بي وبأهل غزة جميعهم ، وتراه قبل الخوض في غمار الموضوع الذي أود الحديث معه فيه يسأل عن غزة وأحوالها ويدعو لأهلها بالصبر والصمود والثبات . وللحقيقة فقد كنت أشعر أن لغزة وأهلها في قلب الشيخ مكانة متقدمة ، وحباً كبيراً ، وفخراً شديداً ، فكثيرة هي المرات التي أشاد فيها الشيخ بجهاد أهلها وصبرهم وجلدهم على الحصار الظالم الذي فرض عليهم ، لثباتهم ومقاومتهم وإصرارهم على الثوابت الفلسطينية ورفضهم الاعتراف بالكيان الصهيوني. ثانياً: كان يقول قولة الحق لا يخشى في الله لومة لائم ، فيتكلم بالحقيقة كاملة دون مواربة أو إخفاء لأي جانب من جوانبها خوفاً من ملاحقة الملاحقين ، فكثيراً ما تحدث بكلام يخشى من هم أشد من الشيخ قوة وبأساً أن يتحدثوا بمعشاره ، لكنه كان أقوى منهم إيمانً وثقة بأن الله تكفّل بحفظ أوليائه الصالحين . ثالثاً: وهذه هي أبرز ما تمتع به الشيخ ، فقد كنت ترى أنه ينضح من معين لا ينضب من الثقة بنصر الله عز وجل ، اليقين عليه بأنه ناصر عباده المؤمنين ،ورجاله المخلصين ، وإيمانه بأن الرجال مواقف ، وسيأتي اليوم الذي يعز فيه أهل الطاعة والثبات على ثغور القضية . وكثيرة هي المرات التي أقسم فيها الشيخ بالله أن هذا الدين سينتصر وأن هذا الشعب المظلوم سينال حريته وحقوقه ، وأن دولة الاحتلال زائلة قريباً ، ولن يطول الزمان بيوم يخرجون فيه من أرض فلسطين مدحورين منكسي رؤوسهم ترهقهم الذلة والانكسار . كنت أستغرب تصرف الشيخ هذا الذي يصر عليه في كل مقابلة ، غير أني ومع الوقت ، ومع معرفتي بإيمان الرجل الثابت الذي لا يتزحزح بتّ أعرف أنه لا يقسم إلا على أمر يراه واقعاً أمامه ، وكنت أتمنى أن يتحقق ذلك في حياته طمعاً في أن ألقاه في باحة الأقصى الشريف ونؤدي صلاة جامعة بعد انتصار كبير للمسلمين في فلسطين . هذه ومضات قلبية قليلة أحببت الحديث عنها أملاً في وفاء هذا الرجل جزءاً من حقه ، وكم أتمنى أن تدرس شخصية الشيخ وتوثق في أبحاث محكمة ومركزة ليستطيع الجيل القادم دراستها والاقتداء بها ، فشخصية مثل شخصية العلامة البيتاوي جديرة أن تكون قدوة تحتذي ومثالاُ يقتفى .. رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته .. وعوضنا عن فقده خيراً وحقق الله أمنياته بالتحرير والانتصار للإسلام وفلسطين .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.