أينما زرعتَهم يُزهرون ، كـزهرِ اللوتس يُضفون جمالاً في كُلِ مكانٍ يُنبتون فيه ، بنقاء فكرتهم التي يؤمنون بها ، بجمال غاياتهم ورقة ما يحولون نشره بين الناسِ ، فكم من طفلٍ يبتهجُ لرؤياهم ، كم من شابة يتغير مزاجها وتزداد فرحةً بهم ، لازلتُ أتسائلُ ، هل كانت السعادة يوماً سلعة تُباع وتُشترى ، يا بائع الفرح هَبْ لي مما في جُعبتك فرحاً أُحلقُ به في فضاء الكون مُبتسماً ، وانثر أريجك حيث السعادة والهناء.
كـطيور النورس على شاطئ بحر غزة هم ، يُحلّقون بين هموم الناس و أوجاعهم ، بين أفراحهم و آمالهم ، يبحثون عن طفلٍ صغيرٍ بحاجةٍ إلى أمل ، كـفَراش الربيع في نيسان ينشرون الفرحة أينما حلوا ، تجدهم في الميناء قابعون حيث الأطفال ، وعلى أبواب الجامعات احتفاءً بمواكب الخريجين ، في الأزقة والطرقات ، في المتنزهات والأماكن العامة ، برؤياهم تبتهجُ القلوب وتصفو النفوس التي كدّرتها أوجاعُ الحياة.
بائعو الفرح أُناسٌ منا و فينا ، أطفالٌ وشبابٌ يحملون بالوناتهم الجميلة كألوان قوس قزح ، ألوان الفرح التي تُسعد كل من يراها ، يحملون باقات رائعة من أجمل الأزهار ، بائعو الفرح هم أنُاسٌ كسروا تلك القاعدة القائلة بأن فاقد الشيء لا يعطيه ، هُم بحاجةٍ إلى من يساندهم كي يعيشوا بكرامة ، منهم من هو طفلٌ صغير دفعته أعباءُ الحياة إلى أن يترك مدرسته وتعليمه ليعمل ليل نهار كي يعيل أمه و أشقائه ، قد لا يتملكون الفرح دوماً لكنهم الأقدر على إعطاءه ورسم البسمة على وجوه من حولهم .
أذكرُ يوماً كنتُ أصطحب الصغيرة ملاك ابنة شقيقتي إلى الشاطئ ، كانت يومها في أسوأ حالاتها ، دموعها تتساقط على خديها ، ووجنتيها منتفختين شديدتا الاحمرار من كثرة البكاء ، حاولتُ إرضاءها بشتى السبل ولم أُفلح حينها إلا حين جاء ذلك الصبي الجميل يحملُ باقةً رائعة من البالونات ، انفرجت لها أساريرُ صغيرتي ملاك لتهتف بي بسعادة غامرة تطلب مني أن أجلب لها بالوناً تلهو به ، فكان لها يومها ما أرادت لترتسم على شفتيها ابتسامة لا تكاد تتسع لها بقاع الأرض .
ظللتُ أُفكر يومها فيما لو كنت مكانها فسأقبلُ حتماً ببالون جميل أو وردة وستكون بالنسبة أجمل هدية ، لذا فلنُقدر أولئك الصِبْيَة الذين يحملون الفرح إلى قلوبنا و إلى أطفالنا ، على هذه الأرض ما يستحق الحياة ، كيف سنحيا لا تفاؤل ، كيف لن أن نتغلب على مشاق الحياة دون أن نجعل الأمل مجدافاً لنا لنرسوَ بمستقبلنا و أحلامنا إلى بر الأمان ، لا شيء يستحق العناء فما كان لكَ سيأتيكَ إلى بابكَ ، وما لم يكن لكَ لن تحصل عليه مهما ادخرت إلى ذلك سبيلاً ، فلا تُحمل نفسك ما فوق طاقتها فنحن بشر قد تُسعدنا أبسط الأشياء.
أرى أنّ تجارة الفرح ليست حكراً على أحد ، قد تكون أنت بائعاً للفرح وقد يكون هو، حينما تزرع الأمل في نفوس الآخرين ، حين تُساعد مُسناً ليعبر الشارع بسلام فيدعو لك في ظهر الغيب ، حين تُسْمِعُ زوجتكَ كلمة طيبة ، حين تكون باراً بأبويكَ فتنال رضاهما في حياتك قبل مماتك ، حين تبتسمُ بوجهِ أخيكَ ، حينما تُصبحُ إنســاناً فأنت حتماً ستكون بائعاً للفرح.