23.57°القدس
23.28°رام الله
22.19°الخليل
26.47°غزة
23.57° القدس
رام الله23.28°
الخليل22.19°
غزة26.47°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

بين الشعبين المصري والتركي في مسألة التعامل مع الانقلاب

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

إن الفارق شاسع والبون بعيد في هذا الشأن . والسبب في ذلك يعود بلا أدنى شك، إلى العقلية التي يحتقبها كلٌّ منهما، ومدى الوعي على الواقع الدولي وعلاقته بالمحلّي ماضياً وحاضراً . وإذا قلنا : الشعب المصري فقد نسحبه على أي شعب عربي آخر في أي قطر من أقطار العرب العديدة، وكذلك بالنسبة للشعب التركي فقد نسحبه على أي شعب أعجمي مسلم آخر متنوِّر في أي بلد من بلدان المسلمين المديدة .

لقد أفرزت الصناديق الانتخابية في مصر الدكتور محمد مرسي لرئاسة الجمهورية بنسبة 52%، كما أفرزت هذه الصناديق السيد رجب طيب أردوغان بالنسبة نفسها لرئاسة الجمهورية التركية . وكلٌّ منهما اختاره حزبه لهذه الصناديق . وكلٌّ منهما له توجّه إسلامي معروف لدى شعبه والعالم أجمع . وتململ بعض الحاقدين أو الكارهين لهذا التوجه في كلٍّ من مصر وتركيا، غير بعيد ذلك عن دفعٍ خارجيّ، أو أصابع أجنبية، فقام كلٌّ بالسعي للانقلاب فنجحوا في مصر ولم ينجحوا في تركيا .

إن العنصر الأكبر الذي خيَّب الانقلاب في أنقرة هو الشعب والنخب السياسية على مختلف توجهاتها، بينما الذي أنجحه في القاهرة هم سواد الناس والنخب السياسية المعارضة أو المعادية خاصّةً . وإنه لمن المحزن جداً أن يقف المصريون - الذين عانوا من شرور حكم العسكر ومن ظلم الأنظمة الدكتورية التي نجمت عنه - ضد اختيارٍ شعبيٍّ نزيه يحدث لأول مرة في تاريخ مصر، وضد جماعة تحمّلت ما لا تتحمله الجبال الراسيات في سبيل مبادئها السامية ومصالح شعبها المظلوم، فتسهم في إنجاح انقلاب عسكري لا تحتاج علاقته الحميمة بامريكا واليهود إلى بيان، وقد عاث في أرض الكنانه على مدار ثلاث سنوات إفساداً وتخريباً في كل جوانب حياتها .

أجل، إنه من المؤسف حقّاً أنْ ينجح الانقلاب العسكري في مصر ويدعم من عامة الناس والنخب السياسية، ويُخْفِق ويخيب في تركيا بدعم من الشعب وجميع النخب السياسية بما فيها المعارِضة مع أن أصحاب الشرعية في كلٍّ من البلدين أصحاب توجه سياسي متشابه . وهم في مصر أوضح في اتجاههم وأعرق وأكثر معاناةً وتحمُّلاً . والمفارقة الشديدة هنا، أن تكون الحمْلةُ ضد الإسلام وحَمَلَتِهِ أقوى وأعنف عند العرب الذين جاء لهم الإسلام قبل غيرهم . وهو الذي جعل لهم يوماً المنزلة الأولى في الأوساط العالمية، بينما كانوا قبله في ذيلها القافلة !!

إن الحرب على الإسلام من القوى المعادية واضحة، لا ينكرها إلا جاهل أو حاقد أو مغفّل، وهي ولا ريب، تُشَنّ أولاً وبدرجة كبرى على العرب قبل إخوانهم في الدين من الأعاجم كالأتراك وسواهم، لأن العرب هم حملته الأُوَل . ولكنَّ المستغرب جداً إلى درجة الحيرة والاندهاش استمرار هؤلاء في غفلتهم عمّا يُدَبَّر لهم في الخفاء من مؤامرات لإبقائهم في وضع بائس ومهين . أفما آن لهم أن يَعُوا - بعدما أصيبوا، ولا سيما في هذا العصر من ضربات قاصمة - فيُراجِعوا أنفسهم ويرجِعوا إلى مصدر عزتهم الإسلام العظيم، فيأخذوا به نظام حياةٍ، فيبطل بذلك كيد أعدائهم وضحكهم على ذقونهم، بعد تطليقهم لأفكارهم الزائفة من : قومية وليبرالية ويسارية وحداثية وما إلى ذلك مما أدى بهم ألاّ يكونوا شيئاً في المحيط العالمي ؟!

إن الفارق بينهم وبين الأتراك - وقد أصيب الطرفان بالصميم، الأتراك فقدوا خلافتهم والعرب طُمِست معالم دينهم واستُبْدِل بها مناهج جاهلية فاسدة - أنَّ الأتراك انتبهوا للمؤامرة باكراً، فرفضها الكثير منهم منذ البداية . وأما العرب فما زالوا يغطّون في سباتٍ عميقٍ وقد انطلى على زعمائهم ومن ثم على معظم نخبهم السياسية والفكرية أن الإسلام من مخلَّفات الماضي، وما الرجوع إليه إلا نوع من البكاء على الأطلال . ومن هنا ما إن شعر الأتراك بتوجُّهات طيبة من بعض نخب أبنائهم السياسيين بالعودة إلى الإسلام حتى تمسَّكُوا بهم وأيدوهم، لأنهم نظروا إلى غيرهم من أصحاب الأفكار الدخيلة أنهم سبب فقدانهم لعزهم . فالشعب التركي الذي فتح سلاطينه القسطنطينية يحن لهم ولما فعلوا ويسعى لإعادة مجدهم والنسج على منوالهم . وأما المصريون وعامة العرب الذين فتح أجدادهم مصر وحولوها من الوثنية إلى الإسلام، وكان جنودهم شوكة في حلوق الصليبيين، نظروا إلا من رحمه الله منهم، إلى كل ذلك بأنه - تحت مكر الليل والنهار من أعداء الإسلام – مما يجب أن يُهجر وإلى غير رجعة !!

إن نجاح الانقلاب في مصر والصورة الخبيثة التي جاء بها والنخب التي أيدته والغوغاء الذين رحبوا به مما سُمِّي بجبهة الإنقاذ وهي جبهة (لَمَمٍ ومتأمرين وحاقدين) لا مِراءَ وصمةُ عارٍ وراية شنارٍ في جبين السياسة المصرية المعاصرة لقبول أولئك بالمؤامرة المحلية والدولية على مصر تاريخاً وحضارةً وديناً، وترحيبهم بالأفكار الوافدة الفاسدة من أعداء الإسلام، ومحاربتهم لدين الله الخالد الذي كان السبب الأول في عِزّ مصر، ومحاربتهم للجماعة النظيفة الطاهرة المتمثلة بالإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم، ومن ثم لانتقاضهم على خيار الشعب والانقلاب على إرادته . كما لا شك أن فشل الانقلاب في تركيا وخيبته، شِعارُ فخر لشعب تركيا، دل على قوة إيمان هذا الشعب وحنينه لمجده العريق وإخلاصه لماضية المجيد . كما دل على أن شعب تركيا شعب متقدم واعٍ، إذ يقف حتى المعارضون منه لفكر الإسلام ونظام الحكم فيه ضد من يعبث بأمن بلدهم، وينتقض على خيار مواطنيهم الانتخابي .

إنه مما لا شك فيه أن جدية حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي في تركيا في النهوض ببلدهم وصدقهم في خدمة مواطنيهم، وتآزر أفراد هذا الحزب وزعمائه مع بعضهم بعضاً على الرغم مما قد يكون بينهم من الخلافات الاجتهادية، وقوة شخصية الرئيس أردوغان وشجاعته، وظهوره في وسائل الإعلام منذ البداية وفي لج الأزمة، وكره الشعب التركي للانقلابات العسكرية على ضوء ما خبروه فيها من مفاسد وشرور، والتفاف الشعب حول حكامه المنتخبين وثقل وزن تركيا حالياً وغابراً، كانت وراء تفشيل ذلك الانقلاب المشبوه الذي لا يمكن تبرأته من الأيادي الأجنبية اللئيمة وفي مقدمتها أمريكا أم الصليبية الحاقدة في هذا العصر . ومن هنا فإننا نبارك للإخوة الأتراك ونشدّ على أيديهم، تغلّبَهم على هذا الانقلاب المشؤوم وتخييب الله لمساعي أصحابه . ونقول لهم : مرحى لكم شعباً ومعارضةً وحزباً حاكماً ورئيساً، قواكم الله وأخذ بأيديكم لتبقوا شجاً في حلوق أعداء الأمة والوطن والدين، وحيّا الله قطاعات الأمن والجيش التي وقفت بصلابة ضد عصابات الانقلاب المجرمة .

أما عندنا في بلاد العرب، ولا سيما في مصر الحبيبة مصر الكنانة مصر أم العروبة مصر الأزهر، فنسأل الله أن تنهض من كبوتها، وأن يبصّر عامتها وخاصتها بعظمة الإسلام وأحقيته في الحكم وصدق دعاته، ويوقظها على ما يُدار لها من مؤامرات جهنمية، وأن يهدي أحزابها المناوئة سواء السبيل، وأن يقبِّح وجوه الانقلابيين الكالحة، وأن يجزي زعماء العرب الذين يطيلون في أعمارهم بالدعم المادي والمعنوي شر الجزاء . وحيّا الله من فيها من الإخوان وجهها الصبيح ومرجها الناضر ونيلها الخيِّر وبحرها الزاخر وسورها المنيع وحُماتها الأشاوس، فك الله أسرهم وأسر كل مظلوم في سجون الجبابرة والمستبدين . والله أكبر ولله الحمد ...