14.14°القدس
13.93°رام الله
12.75°الخليل
18.97°غزة
14.14° القدس
رام الله13.93°
الخليل12.75°
غزة18.97°
الإثنين 06 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.72

خبر: محاكمة الجنرالات الكبار

كان الرابع من أبريل الجاري يوما مشهودا في تاريخ تركيا الحديث، فقد بدأت محاكمة الجنرال كنعان إيفرين الرئيس التركي الأسبق وقائد الانقلاب العسكري الذي وقع في 12 سبتمبر من عام 1980، حيث أطاح بالحكومة المدنية وبقى إيفرين يقود تركيا بالحديد والنار حتى عام 1989، لكن الأعوام الثلاثة الأولى من حكم إيفرين كانت الأكثر دموية واستبدادا، فقد أُعدم خمسون شخصًا وقُبض على ما يقرب من نصف مليون غُيِّبوا في السجون، وقُتل كثيرون منهم تحت التعذيب بينما اختفى آخرون إلى الآن، كما قام بتسريح أكثر من ألف ضابط من ضباط الجيش الذين اعترضوا على ما قام به، ولم يتبق من قادة الانقلاب مع إيفرين الذي يبلغ عمره الآن 94 عاما سوى الجنرال تحسين شاهين قايا، الذي كان قائدا للقوات الجوية والذي يبلغ عمره الآن 87 عاما، ورغم أن محاكمة إيفرين بعد أكثر من ثلاثين عاما من قيامه بالانقلاب كانت حلمًا لدى مئات الآلاف من العائلات التركية، التي تضررت من فترة حكمه فإن قبول القضية وبدء المحاكمة التي رفعها أكثر من ثلاثمئة وخمسين من عائلات الضحايا، علاوة على خمسة أحزاب سياسية بينها حزب العدالة والتنمية الحاكم ومطالبة الادعاء بتوقيع عقوبة السجن المؤبد على إيفرين وشريكه جعل الحدث تاريخيا بكل المعايير، فهي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي يحاكم فيها قائد انقلاب عسكري في ظل الانقلابات الثلاثة التي قادها العسكر في تركيا، وأزاحوا فيها المدنيين عن السلطة بحجة حماية العلمانية، كما أنه فتح ملفا في غاية الأهمية وهو أنه لا حصانة لأي من الجنرالات من المحاكمة، حيث كان قادة الانقلاب حتى عام 2010 يحظون بحصانة تمنعهم من المحاكمة، وهذا ما سعى محامى إيفرين لأن يدفع به، إذ قال «إن المتهمين من واضعي الدستور وأنهما فوق المساءلة القانونية»، لكن المحكمة رفضت الطلب وأكدت أنه لم يعد أحد فوق المساءلة في تركيا، وعلى رأسهم العسكر الذين سيطروا على مقاليد السلطة في البلاد طوال العقود الماضية، وحازوا امتيازات غير مسبوقة في كل مجالات الحياة، لأن الدستور الذي وضعه إيفرين بعد انقلابه منحهم وضعا استثنائيا في كل شيء، حيث كانت لهم الهيمنة على كل شيء في البلاد حتى العامين الماضيين، والآن أصبح كثيرون منهم يحاكَمون بتهم الفساد ومحاولة الانقلاب على حكومة أردوجان، وبعضهم يُحاكَم بتُهم قتل وتصفية صحفيين وشخصيات سياسية من خلال عمليات اغتيال كانت تقيد ضد مجهول خلال العقود الماضية، ورغم أن إيفرين لم يحضر المحاكمة بسبب وجوده وزميله في المستشفى وإقرار الأطباء أن حالتهما الصحية لا تسمح، فإن ذلك لم يمنع خمسمئة محام من المدعين بالحق المدني من حضور المحكمة، بينما مثل المتهمين ثلاثة محامين فقط، بينما احتشد الآلاف خارج المحكمة للمطالبة بالقصاص من إيفرين والقتلة الآخرين مع اهتمام إعلامي واسع، وقد طالب كثيرون أن لا تقتصر المحاكمة على الجنرال إيفرين ورفيقه فقط، بل يجب أن تشمل كل الضباط حتى الصغار الذين تورطوا في عمليات التعذيب والقتل التي طالت عشرات الآلاف ممن أودعوا السجون والمعتقلات خلال سنوات حكم إيفرين، كما طالبوا بإلغاء كل القوانين والتشريعات الجائرة التي صوغت وأُقِرَّت في عهد الانقلابيِّين وما بعدهم، واتهم بعض هؤلاء بأن حكومة العدالة والتنمية تريد تضخيم محاكمة إيفرين إعلاميًّا، بينما تبقى على القوانين الجائرة التي وضعها وتستفيد منها، محامى إيفرين أراد أن يقلب الطاولة على حليف إيفرين الرئيسي وهى الولايات المتحدة التي لعبت الدور الرئيسي في معظم الانقلابات العسكرية التي جرت في المنطقة طوال الستين عاما الماضية، فطالب بالتحقيق في ملابسات الانقلاب في ظل تسريبات عن أن إيفرين قد قام بالانقلاب بطلب من الحلف الأطلسي وبتنسيق معه، لمحاصرة المد اليساري آنذاك لكن المد الإسلامي الذي كان يقوده نجم الدين أربكان آنذاك كان الأعلى صوتا، وكان أربكان من بين المعتقلين السياسيين وقضى في السجن ثلاث سنوات. محاكمة إيفرين تعنى أن الانقلابات العسكرية قد انتهت في تركيا، وتعنى أن نفوذ العسكر قد ذهب إلى غير رجعة، وتعني أن امتيازات العسكر قد ولَّت وأصبح شأنهم شأن المواطنين العاديين، كما أنها تربك عشرات من الجنرالات والضباط المتورطين في محاولة الانقلاب الأخيرة على أردوجان، حيث إن كبيرهم يُحاكَم الآن وبالتالي فهم لن يفلتوا من العقاب إن أدينوا. إن محاكمة الجنرالات الكبار في تركيا ترسل برسالة واضحة إلى كل الجنرالات في العالم العربي، لا سيما في مصر أن من يفلت اليوم من العقاب لن يفلت غدا، وأن هذا الجيل إذا تغاضى عن محاسبة الجنرالات عن أخطائهم وجرائمهم التي ارتكبوها في حق الشعب سواء قبل الثورة المصرية أو بعدها، فربما يأتي جيل بعد عشر سنوات أو عشرين أو ثلاثين كما حدث في تركيا الآن، ليحاكم ويحاسب ولن يفلت أحد حتى لو كان عمره أربعة وتسعين عاما مثل كنعان إيفرين.